نبذة النيل والفرات:يحتل علم الكلام مكانة هامة بين مباحث الفلسفة الإسلامية من جهة، وبين علوم الدين من جهة أخرى، فقد درج المختصون في الفلسفة الإسلامية على اعتبارها مشتملة على المباحث الآتية: 1-علم الكلام، فلاسفة الإسلام كالكندي والفارابي، وابن سينا وابن طفيل، وابن رشد وغيرهم. وقد كان مقصدهم التوفيق بين الدين والفلسفة، 3-التصوف، ور...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:يحتل علم الكلام مكانة هامة بين مباحث الفلسفة الإسلامية من جهة، وبين علوم الدين من جهة أخرى، فقد درج المختصون في الفلسفة الإسلامية على اعتبارها مشتملة على المباحث الآتية: 1-علم الكلام، فلاسفة الإسلام كالكندي والفارابي، وابن سينا وابن طفيل، وابن رشد وغيرهم. وقد كان مقصدهم التوفيق بين الدين والفلسفة، 3-التصوف، وربما أضاف الباحثون إلى هذا التقسيم علم أصول الفقه. وعلم الكلام حسب تعريف التهانوي له. هو علم يقتدر منه على إثبات العقائد الدينية على الغير بإيراد الحجج ودفع الشبه. يتضمن هذا التعريف أن المتكلم يتخذ العقائد الدينية قضايا مسلماً بها ثم يستدل عليها بأدلة العقل حتى وإن أمكن الاهتداء إلى هذه العقائد بالعقل مستقلاً عنها، وفي ذلك يقول التهانوي: يجب أن تؤخذ العقائد من الشرع ليقتد بها، وإن كانت مما يستقل العقل فيه، وفي ذلك ما يميز علم الكلام عن الفلسفة.في هذا الإطار يأتي كتاب "في علم الكلام، دراسة فلسفية لآراء الفرق الإسلامية في أصول الدين" ويمثل محاولة لتقديم آراء أهم فرق المسلمين وهي فرقة "المعتزلة" في نسق متكامل، وبصورة عامة فإن الفرق التي كانت وما زالت، بطريقة أو بأخرى، تعبر عن مختلف اتجاهات المسلمين هي: المعتزلة والأشاعرة، والظاهرية والماتريدية، وأهل السلف ثم الشيعة والخوارج.في هذا الكتاب يعرض المؤلف لفرقة المعتزلة منذ نشأتها، منقباً عن جذورها وأسلاف شخصياتها، مقتفياً أثرها متبعاً مسارها من خلال مفكريها إلى أن حطّت الرحال فعجزت عن أن تنتج فكراً وعقمت عن أن تقدم مفكرين، على أن هذه ليست دراسة تاريخية بحتة فليس في الأحداث التاريخية ما يكفي لتفسير نشأة الفرق أو أفولها، وإنما لما كانت دراسة الفرق دراسة فكر، فإن الفكر لا يفسر إلا بالفكر، ومن ثم فقد وجب على المؤلف تلمس أسباباً عقلية لنشأة المعتزلة أو أفولها ولعوامل انتشارها وازدهارها ولاستمراريتها فترة من الزمن.على أن هذا لا يعني استبعاد دور التاريخ، فما من فكر يعيش في عزلة عن المكونات الحضارية التي عاصرته، ومن ثم كان لا بد من تمهيد لفرقة المعتزلة توضح الخلفية الحضارية التي عنها انبثق فكرها، وبذلك يستبعد المؤلف ما شاع قديماً من اتهام الفرق بعضها لبعض بالزيغ أو البدع أو الضلالة. وكلمة أخيرة لا يقتضي الأمر كي نفهم أجدادنا إلا أن نزيل أقل قدر من حاجز الأسلوب الذي تطور مع الاحتفاظ بجلال تعبير الأقدمين، لاستخلاص، ومن غير تعسف، من أقوال أجدادنا ومن فكرهم ومما لحقهم قضايا عامة يمكن إفادة حاضرنا بها.