يرفض الإسلام أشد الرفض ظاهرة الإحتكار السياسي بكل أنواعه وصنوفه، سواء كان إحتكاراً للثقافة والفكر وأجهزة الإعلام أو إحتكاراً للممارسة السياسية لا فرق، فالإحتكار في أي صورة كان لا يتعدى كونه نوعاً من الديكتاتورية المطلقة التي تصادر كل شيء من أجل نفسها وحسب، ومن دون أي مبرر شرعي أو قانوني يجيز لها ذلك، ومع الأسف نجد أن أكثر الظواه...
قراءة الكل
يرفض الإسلام أشد الرفض ظاهرة الإحتكار السياسي بكل أنواعه وصنوفه، سواء كان إحتكاراً للثقافة والفكر وأجهزة الإعلام أو إحتكاراً للممارسة السياسية لا فرق، فالإحتكار في أي صورة كان لا يتعدى كونه نوعاً من الديكتاتورية المطلقة التي تصادر كل شيء من أجل نفسها وحسب، ومن دون أي مبرر شرعي أو قانوني يجيز لها ذلك، ومع الأسف نجد أن أكثر الظواهر السلبية تفشياً وإنتشاراً في العالم الثالث، وخاصة البلاد الإسلامية، هي ظاهرة الإحتكار السياسي ومصادرة حقوق الآخرين. ويعتبر ذلك خروجاً عن الإسلام ومبادئه والدستور الصحيح الذي يستمد منها شرعيته، وذلك لأن الإسلام يرفض كل أشكال الإحتكار السياسي، ولا يتعامل مع الأجهزة والأطراف وكل مكنونات الواقع السياسي إلا على أساس الحرية والنظام الديمقراطي الذي يحترم الجميع، ويمنحهم الفرص الكافية للتعبير عن آرائهم وممارسة أدوارهم في أجواء هادئة ومفتوحة، وذلك لإيمانه الجذري والعميق بأن العمل السياسي حق شرعي وإنساني مشاع للكل كسائر الحقوق الإنسانية التي يكفلها الدين للجميع. من هنا فإن الإسلام يحرم الديكتاتورية والإستبداد والتفرد بالساحة السياسية، لأنه يعتبر إحتكار الممارسة السياسية لشخص واحد أو عدة أشخاص أو حزب أو فئة أو طبقة أمراً مستهجناً لا ينطبق في ذاته إلا في البلدان المتأخرة حضارياً وثقافياً. فالعمل السياسي في نظر الإسلام ليس منحة أو هبة يتفضل بها الحاكم على الشعب، وإنما هو حق طبيعي من الحقوق الإنسانية الآلهية الملزمة التي لا يمكن للإنسان أن يستغني عنها في يوم من الأيام، ولا يجوز المساس بها بأي شكل من الأشكال، وذلك لأن السياسة التي يدعو لها الإسلام عبارة عن رعاية الناس وتدبير شؤونهم وضمان حقوقهم وخاصة الحقوق السياسية من التعدي والمصادرة والإنسان الذي يمنع من إبداء رأيه أو الإعلان عن موقفه أو يحدّ من ممارسة حقه في العمل السياسي والمحاسبة والنقد والإعتراف إنما يقاد قسراً للإنسلاخ عن إنسانية، في بعض الأحيان، ويصبح في حالة بعيدة عن المبادئ والقيم والأخلاق ولا يتعامل إلا بالعنف والقوة والإرهاب والتعدي على الآخرين وإلتهام حقوقهم بالإضافة إلى أعراض أخرى سلبية خطيرة ناشئة عن ذلك الإستبداد والأجواء القمعية القاسية المفروضة عليه.هذا وقد جعل الإسلام بعض الطقوس الدينية والتجارب السياسية أمراً واحداً لا فرق فيه من حيث الحقيقة والجوهر وإن إختلفت صوره وأشكاله، حيث رسم للمسلمين مناهج السياسة وأصول الدولة والحكم، ووسع في آفاقها في سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، حيث كانت في مضمونها مسيرة عملية ملموسة طبقت العدل والديمقراطية وإحترام الجميع بأسلوب منطقي موزون، وألفت في مواقفها كل أساليب التجاوز والتفرد والإحتكار. ومن هنا فإن تجاوز هذه الحدود والأطر الشرعية الصحيحة في المسرح السياسي يعني في مضمونه تجاوزاً على الإسلام، وخروجاً عن مبادئه القوية التي أنزلها الله للبشر. ضمن هذه المناخات تأتي هذه الدراسة المقارنة للحرية السياسية في الإسلام وذلك لإزالة بعض الإبهامات المحيطة بها من حيث المعنى...والمعالم والضمانات الكفيلة بتحقيقها ولإجلاء الزيف والتحريف عنها وأيضاً لعمليات المصادرة المستمرة التي تتعرض لها تلك الحرية في بلاد المسلمين. وقد تمّ تناولها ببعض التفصيل والتحليل ورسم المعالم والضمانات في محاولة جادة لمساعدة المسلمين على المطالبة بها لإستردادها والعيش من خلالها.