إذا كانت مؤلفات "أحمد علبي" في مجال التاريخ والدراسة الأدبية، قد حظيت باهتمام لافت من قبل النقاد والباحثين والجامعيين على حدّ سواء، بفضل ما اتسمت به تلك المؤلفات من رصانة، وموضوعية، وبفضل ما اتصف به أديبنا من جلد في البحث والتنقيب، والتحبير، وإذا كان بعض تلك المؤلفات قد ترجم إلى غير لغة من اللغات الأجنبية، بالنظر إلى أهميته، فإن...
قراءة الكل
إذا كانت مؤلفات "أحمد علبي" في مجال التاريخ والدراسة الأدبية، قد حظيت باهتمام لافت من قبل النقاد والباحثين والجامعيين على حدّ سواء، بفضل ما اتسمت به تلك المؤلفات من رصانة، وموضوعية، وبفضل ما اتصف به أديبنا من جلد في البحث والتنقيب، والتحبير، وإذا كان بعض تلك المؤلفات قد ترجم إلى غير لغة من اللغات الأجنبية، بالنظر إلى أهميته، فإن كتابات "أحمد علبي" الإبداعية لا تقل شأناً عن تلك سواءً بموضوعاتها الشائقة، أم بصياغتها المحكمة، أو بجمالية العبارة وشموخها. وربما تبادر إلى ذهن القارئ لدى وقوع النظر على العنوان "في حنايا الوطن الملهم" أن أديبنا يقصر الكلام، في صفحات الكتاب، على التغني بمواطن الجمال في بعض المناطق اللبنانية، جمال الطبيعة بوديانها العميقة، وجبالها الشامخة، وسهولها الخضراء، وسحر الشواطئ...لا شك أن أحمد علبي في تجواله في المناطق اللبنانية، وفي إقامته المؤقتة في بعضها يحكي، وهو ذو الحسّ الرهيف عن مدى تأثره بما اقتضى به لبنان، بين سائر البلدان، من طبيعة ومناظر رائعة. ففي حديثه عن بلده "جديتا" وسهل البقاء يخال القارئ نفسه أمام لوحة فنية نابضة الخطوط، راقصة الألوان، قوية الإيحاء.إلا أن أديبنا المغرم بطبيعة لبنان، والمفتون بالشجرة والزهرة، يجعل من هذه اللوحات القلمية، الدالة على براعة في الوصف، كوىً ومنافذ يتسلل، عبرها، إلى النفوس والعقول، ليقبض بمهارة الغوّاص، على ما ترسب في أعماقها من لآلئ وأصداف.تكثر في صفحات هذا الكتاب، تلميحات ذكية تتناول شتى الموضوعات التي تهمّ المواطن اللبناني، مثل الوضع الاقتصادي، والوضع السياسي، والوضع الاجتماعي الغارق في تناقضاته وتحولاته، والوضع الثقافي الحائر والمتعثر، فضلاً عن القضايا التربوية، والفنون السمعية البصرية والأدب الشعبي...مع هذا التنوع في الموضوعات، المتعانقة حيناً والمستقلة حيناً آخر، ومع هذا الصفاء في الرؤيا والرؤية، يترقرق الكلام، مزهواً في غلائله المنسوجة من عراقة الماضي ونبله، وتلاوين العصر وألقه، ليعدو بين دفتي كتاب أحمل علبي هذا حدائق مترفة، وحقولاً خضراً، وشموساً جذلى، وخبزاً ساخناً.