تتعدد المشكلات الفلسفية بتعدد مباحث الفلسفة. فالواقع أن التفكير الفسلفي هو تفكير إشكالي في المقام الأول، أي أنه ينطلق من مشكلة ما أو سؤال محدد ساعيا نحو التأمل والتفكير لحل هذا الإشكال أو للإجابة على ذاك السؤال. لكن ما ينبغي أن نشير إليه أيضا أنه لا توجد إجابات يقينية مستقرة على الإشكاليات الفلسفية، ولو كان ذلك صحيحا لما تعددت ا...
قراءة الكل
تتعدد المشكلات الفلسفية بتعدد مباحث الفلسفة. فالواقع أن التفكير الفسلفي هو تفكير إشكالي في المقام الأول، أي أنه ينطلق من مشكلة ما أو سؤال محدد ساعيا نحو التأمل والتفكير لحل هذا الإشكال أو للإجابة على ذاك السؤال. لكن ما ينبغي أن نشير إليه أيضا أنه لا توجد إجابات يقينية مستقرة على الإشكاليات الفلسفية، ولو كان ذلك صحيحا لما تعددت المذاهب الفلسفية حول نفس الإشكاليات. فهاهي إشكالية المعرفة تدفع بتاريخ الفلسفة إلى الانقسام إلى تيارين متباعدين، أشبه، كما يقول حسن حنفي، بفم تمساح مفتوح، وكلا التيارين قد بدأ بسؤال رئيسي عن أداة المعرفة التي نعول عليها في تواصلنا مع العالم الخارجي. فقد ذهب العقلانيون إلى أن العقل هو أداة المعرفة الرئيسية أما التجريبيون فقد آمنوا بالحواس والانطباعات الحسية التي تأتي من العالم الخارجي. وبالإضافة لهذين التيارين هناك التيار الحدسي الذي بدأت إرهاصاته الأولى مع ديكارت، رغم عقلانيته، واستمر حتى برجسون في الفلسفة المعاصرة. وهناك أيضا تيار الشعور الذي ظهر مع الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل، والذي يحاول أن يعالج الانقسام الذي حدث في الوعي الغربي الأوربي بين الواقعيين والتجريبين.أما الموقف من العالم الخارجي والوجود فقد انقسم الفلاسفة بصدده إلى اتجاهين رئيسيين الأول يقول بأولوية الذات على الموضوع الخارجي، وبالتالي فالأشياء يتوقف وجودها على الذات الإنسانية، أما الاتجاه الثاني فيقول بأولوية الموضوع الخارجي على الذات، وبالتالي فالأشياء توجد بمعزل عن إدراكها (مستقلة) وتمتلك أسبقية أو نطولوجية تجعل منها صاحبة السيادة والكلمة العليا فيما يتعلق بطبيعة المعرفة.في نظرية القيمة نجد الإشكال الرئيس يدور حول نسبية القيمة وموضوعيتها. وعلى هذا الأساس تفرعت الاتجاهات الأخلاقية والجمالية ما بين القائلين بالنسبية الأخلاقية والجمالية بداية من السفسطائين ومرورا بالفلسفة البراجماتية وحتى فلاسفة ما بعد الحداثة. في حين نجد من ناحية أخرى القائلين بثبات القيمة وموضوعيتها بداية من أفلاطون ومرورا بكانت وحتى هابرماس.ليست هذه فقط المشكلات الوحيدة في الفلسفة، فكما قلنا فالفلسفة بطبيعتها ذات توجه إشكالي، ولا تظهر إلا في ظل الأزمات والإشكاليات أو كما قال هيجل "إن بومة مينرفا لا تظهر إلا عند الغسق" أي في أحلك المواقف تظهر الفلسفة. والفلسفة في الأساس فعل التساؤل، أو هي بالأحرى–بحسب هيدجر- "فن ابتكار السؤال". والسؤال هو رغبة الفكر"بلانشيو". هذا السؤال هو بمثابة الاكتشاف المتواصل لحياتنا.. لإدراكنا.. ونشاطاتنا.. ولمعرفتنا. فالأسئلة موجودة داخل حياتنا وداخل تاريخنا "إنها تولد فيها وتموت فيها" كما يقول ميرلوبونتي. والفلسفة-عبر التساؤل- توقظنا على ما في وجود العالم وفي وجودنا من إشكالات، حتى أننا نكون قد شفينا نهائياً من البحث عن الإجابة في كراس المعلم على حد تعبير برجسون.على هذا الأساس نستطيع أن ننظر إلى أية إشكالية تواجهنا نظرة فلسفية متأملة تسعى للكشف عن ماهيتها والوقوف عند أصولها الأولى. وقد نجد الفلسفة الآن تتطرق لمشكلات جد حيوية مرتبطة بالحياة وملاصقة لأهم القضايا التي أصبحت الآن مناط بحث العديد من الحقول المعرفية كمشكلات البيئة والأخلاق التطبيقية وشروط الإبداع والتلقي الجمالي في ضوء المتغيرات المتلاحقة في الفنون بسبب التنامي الكبير للمؤثرات التكنولوجية، بالإضافة للعديد من القضايا السياسية والاجتماعية الأخرى التي تشكل الآن المادة الرئيسية للتفلسف.من هذا المنطلق يسعى هذا الكتاب للتركيز على أهم الإشكاليات التي ظهرت عبر تاريخ الفلسفة، وقد راعينا في هذا الكتاب اختيار إشكاليات ذات علاقة وثيقة بحياتنا ووجودنا الواعي الذي لا يكف عن التساؤل، والذي ما زال العالم يثير دهشته وتساؤله، لأنه لا يركن إلى الإجابات المستقرة الجاهزة، بل يسعى دائما لفك ألغاز العالم وفض تشابكاته، لأن هذا جزء أساسي من وجودنا في العالم.