يعتبر القانون المدني من أبرز قوانين الدولة وأهمها إذ إن له صلة وعلاقة بكل إنسان، فهو الذي ينظم معاملات الناس وجانباً كبيراً من شؤون حياتهم ومصالحهم في حاضرهم ومستقبلهم، وهو قانون خاص منشئ للحق وقائم على تنظيمه، وعلى هذا الهدي روعي في القانون المدني الأردني أن يكون الفقه الإسلامي المصدر الأساس للتقنين، وهو الذي نهل العلماء من نبع...
قراءة الكل
يعتبر القانون المدني من أبرز قوانين الدولة وأهمها إذ إن له صلة وعلاقة بكل إنسان، فهو الذي ينظم معاملات الناس وجانباً كبيراً من شؤون حياتهم ومصالحهم في حاضرهم ومستقبلهم، وهو قانون خاص منشئ للحق وقائم على تنظيمه، وعلى هذا الهدي روعي في القانون المدني الأردني أن يكون الفقه الإسلامي المصدر الأساس للتقنين، وهو الذي نهل العلماء من نبعه، ونما العلم في رحابه وبلغ أسمى ما وصلت إليه النظم القانونية من دقة وإحكام والقانون المدني الأردني هو أول قانون مدني وضع في الدول العربية على أساس استمرار الفقه الإسلامي وأصوله، بل أريد لنصوصه أن تكون منطلقاً لمشروع قانون المعاملات المالية الموحد للدول العربية عندما شكلت لجنة توحيد التشريعات العربية في الدائرة القانونية بجامعة الدول العربية لوضع مشروع القانون الموحد. وليس هذا مقاماً أن نبين ما يمكن أن يوجه إلى القانون المدني الأردني من النقد أو القصور، فهو لا يخلو من النقل الجزافي، واستخدامه لمصطلحات قد لا نألفها، وازدواجية في الأحكام، وعدم الانسجام أحياناً، وتكرار لمعنى مع اختلاف اللفظ. مما يستدعي الحاجة إلى إعادة النظر والتمحيص ليخلو من أي عيب أو نقص أو تكرار بقدر الإمكان، وبالمقابل يبقى هذا القانون إرثاً علمياً زاخراً باحتضانه لأحكام الشريعة الإسلامية وفقهها المتفاعل مع نواحي الحياة العملية ومصالح الناس وحاجاتهم، بصورة ترتقي بشموليته ومتانته ليضاهي آخر ما توصل إليه الفقه القانوني المعاصر بل يتفوق عليه، وجاءت المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني بدورها الاسترشادي والمفسر لنصوص القانون ولتفهم نصوصه والوقوف على مراحله التشريعية المختلفة، وبدورها المؤرخ لمواده، حتى شكلت هدياً للقضاء في أحكامه في فهم مقصد المشرع، ومرجعاً يعوِّل عليه القاضي في فهم ما يعرض عليه. فالمذكرات الإيضاحية هي مجموعة الأعمال التي تسبق حضور القانون والتي تبيّن المراحل المختلفة التي مر بها النص عند وضعه وتتمثل في المذكرات التفسيرية للقانون والأسباب الموجبة التي تُعَدُّ وترفق بمشروع القانون، وكذا مشروع القانون والتعديلات التي تمت بشأنه قبل صدوره، وكذا المناقشات ومحاضر جلسات البرلمان وغيره من اللجان التي تم فيها مناقشة نصوص وأحكام القانون مما يساهم في معرفة القصد الحقيقي للمشرع، ومن ثم معرفة معاني النصوص القانونية، لتشكل تلك المذكرات في مجملها محطة يستأنس ويسترشد بها القاضي في بحثه الدؤوب عن العدالة المنشودة من خلال تحديد معنى النص التشريعي. والفقه الحديث يرى أن هذه المذكرات مجرد وسيلة تساعد القاضي، أو المفسر على أن يتعرف على إرادة المشرع المُعْلِنَة في التشريع لإرادة واضع التشريع. وبالتالي ليس لها قيمة قانونية ملازمة لأنها لا ترتقي إلى مستوى النصوص التشريعية. ولقد وجدنا أن القضاء الأردني ــ وفي إطار بيان قيمة المذكرات الإيضاحية الموضح ــ قد استرشد بها واستأنس برأيها في العديد من اجتهادات محكمة التمييز الموقرة، ولم يخرج قضاء محكمة التمييز عن كثير من المفاهيم التي بينتها تلك المذكرات. ونظراً لأن مهام التشريع التي يضطلع بها المشرع تحتاج على الدوام إلى محاكاة الواقع والقانون، وكذا حال المذكرات الإيضاحية فهي صنيع بشر لا تخلو من نقد والحاجة إلى توازن وتناغم مع واقع الحداثة والتقدم التقني، فجاء في المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني ــ على سبيل المثال ــ ما هو نقل عن الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري لحكم ما، رغم اختلاف الحكم بين القانونين الأردني والمصري كما أن هناك نصوصاً لم يرد في المذكرة بشأنها أي تعليق أو شرح وإنما اكتفت بالإشارة إلى مصادر النصوص المقابلة لها في القوانين الأخرى والفقه الإسلامي. كما أن المذكرات الإيضاحية اعتمدت على كثير من الأمثلة والمصطلحات التي جاء بها الفقه الإسلامي والتي تعد غريبة في زماننا هذا في عهد التقدم التقني الواسع فكان تعديلها بما يواكب هذا التقدم مطلوباً. وفي خلاصة ذلك تبقى المذكرات الإيضاحية توأماً للقانون المدني الأردني بحيث تنقل النص لتربطه بإرث فقهنا الإسلامي العظيم المتجدد، ليرتكز عليها الفقه القانوني الحديث والقضاء في فهم حالة النص وإرادة المشرع.