لهل أكثر دواعي الضحك في العرف والعادة ثلاثة هي: الغناء والخمرة والمرأة. فالغناء يدعو إلى الطرب، والطرب سرور النفس وانشراحها، وهذه كلها تجلب المرح والضحك والسرور. أما الخمرة ومجالس الشراب فإنها لا تحقق ولا تتم إلا بالضحك. ولما كانت الخمرة أداة مرح، كان لا بد أن تطرد الهم والغم، وأن تنسى شاربها دنياه المليئة بالأشجان، فإذا به وقد ...
قراءة الكل
لهل أكثر دواعي الضحك في العرف والعادة ثلاثة هي: الغناء والخمرة والمرأة. فالغناء يدعو إلى الطرب، والطرب سرور النفس وانشراحها، وهذه كلها تجلب المرح والضحك والسرور. أما الخمرة ومجالس الشراب فإنها لا تحقق ولا تتم إلا بالضحك. ولما كانت الخمرة أداة مرح، كان لا بد أن تطرد الهم والغم، وأن تنسى شاربها دنياه المليئة بالأشجان، فإذا به وقد سكر في دنيا جديدة، هو فيها ملك منصب.ولما كانت الخمرة تلهم الشجاعة والندى، فقد رأى الجاهليون أنهم في حروبهم وسلمهم بحاجة إلى سورتها وما توحي من اريحية. وإذا كانت وقفاتهم في وصفها، فسب ذلك-كما يرى الدكتور طه حسين- في حديث الأربعاء: "إنهم لم يكونوا من النعمة ولين ا لعيش بحيث يتطيعون أن يعكفوا عليها، ويعاشروها معاشرة متصلة، كما كانوا يعاشرون الإبل والشاة، وإنما كانت تسنح للكثير منهم فرصة اليوم أو الساعة، يشرب فيها ويلهو، فإذا فرع من شربه ولهوه تحدث بذلك مفاخراً، وربما وصف الخمر وذكر اللهو وهو لم يشرب، ولم يأخذ من اللهو بحظ، وإنما دعاه إلى ذلك الفخر والفن",ولا ضير على الشعراء إذا اكتفوا أحياناً بالحس بالشيء دون الانغماس في الواقع، فكبارهم في استحضار الأشياء ووضفها أشد إحساساً بها من الذين عاشروها.وإذا كان للشعر الخمري في الجاهلية من فضل فلكونه هيأ الأجواء لمن سيتناول فينا بعد من شعراء العهدين الأموي والعباسي، حيث تفصيل ولا أجمل، وبزوغ شمس النواسي صاحب أول مدرسة في وصف الخمر، عرفها الشعر العربي في شتى مراحله.ومن الأغراض الشعرية الجاهلية التي اعتراها الكثير من التردد والأفول وتقلص الظل في صدر الإسلام، الخمرة، فلكثرة شيوعها، وإقبال الناس عليها وكونها عنصراً من عناصر الفساد، فقد وقفت الشريعة الإسلامية منها موقف العداء ونزلت بتحريمها أكثر من آية.وربما عوقب شارب الخمرة بالجلد والحبس وحلق الرأس او اللحية والشارب أو قطع العطاء، كما عوقب بائعها بكسر أوانيه, فلا عجب، وهذا حظ الخمرة من الدين الإسلامي أن يكون العهد الراشدي-اشد العهود تمكساً بأهداب الدين-ومن أبرز المتنكرين لها، حتى أن الخليفة عمر بن الخطاب كثيراً ما كان يجلد السكارى.وإن بقي من شربها ف يالحواضر والبوادي فقد نزلت عن عرشها الجاهلي وعزها السابق. لقد بقي لها في هذه الفترة الانتقالية الأولى شاعر ضخم، ينهض بها، هو حسان بن ثابت، أبرز شعرائها في العهد الإسلامي الأول-وقد عرفته الجاهلية أيضاً- فهو قبل دخوله الإسلام غالى في شربها، فأكثر من أوصافها، لا سيما في مدائحه للغساسنة الملوك. فلذلك ضجت تلك الأوصاف بالفخر منسجاً بها على أذيال الجاهليين.والهدف من هذا الكتاب هو إدخال القارئ إلى رحاب أهل الشراب، لينهل من أدبهم ويتذوق سحر بيانهم