إن مسيرة التاريخ الإنساني وخاصة الحديث منه والمعاصر والقائم حالياً تدلل بوضوح على أن الإنسان لم يتمكن فقط من ربط تقدمه العلمي والتقني بتقدم مماثل في النواحي الإنسانية، وإنما أيضاً قد راح يسير في الاتجاه المعاكس تماماً والذي يتمثل بخروجه على إنسانية الإنسان، والسعي إلى امتهانه وهلاكه. إن تأمل هذه الظاهرة من المفارقة بين سعي الإنس...
قراءة الكل
إن مسيرة التاريخ الإنساني وخاصة الحديث منه والمعاصر والقائم حالياً تدلل بوضوح على أن الإنسان لم يتمكن فقط من ربط تقدمه العلمي والتقني بتقدم مماثل في النواحي الإنسانية، وإنما أيضاً قد راح يسير في الاتجاه المعاكس تماماً والذي يتمثل بخروجه على إنسانية الإنسان، والسعي إلى امتهانه وهلاكه. إن تأمل هذه الظاهرة من المفارقة بين سعي الإنسان نحو المعرفة والعلم وسعادة الإنسان من ناحية، وبين إقباله على ما هو مناهض تماماً من تعطيل وإهلاك لمقوماته الحياتية والإنسانية الأخرى، يحمل على الاستنتاج بأن عوامل قاهرة من العبث قد أصابت كيانه العقلي مما أدى إلى تعطيل حكمته وحصافته، ودفعت به إلى مهادي من التردي في إنسانية، وفي مقوماته العقلية والنفسية والجسمية.ومع أن الفرد الرازح تحت وطأة هذه العوامل لا يحمل مسؤولية ما آل إليه من ورائه أو فرض عليه من ظروف نحوه وواقع حياته والتجارب العارضة له في مسيرته الحياتية، غير أنه لا بد من تحميله المسؤولية كاملة عن نتائج كل ما سعى إليه بكامل وعيه وعلمه وإرادته، ولعل في ذلك عبث أعظم من أي عبق آل إليه وفرض عليه. وقد توخى المؤلف في كتابه هذا تناول ناحية معينة من طرق العبث بمقومات الإنسان العقلية وهي تعاطي مختلف المواد والعقاقير التي تؤثر في العقل الإنساني وتعبث به، وهو تناول أصبح في عصرنا الحاضر يمثل ضرورة ملحة بالنظر إلى انتشار تعاطي هذه المواد وبصورة متزايدة في معظم أقطار العالم إلى الحد الذي راح هذا التعاطي يعتبر المشكلة الرئيسية التي تواجه الإنسان المعاصر، والتي تهدد مستقبله.وقد تناول المؤلف بالتحديد أهم المواد المؤثرة في العقل والتي يتعاطاها إنسان هذا العصر، المحظورة والممنوعة منها، والمقيدة، والمتاحة بدون حظر أو قيد، بشيء من التفصيل بما في ذلك نبذة تاريخية عن معظم هذه المواد وبالقدر الذي يشوق القارئ ويشده إلى متابعة القراءة وحتى الوصول إلى الحقائق السلبية المتعلقة بهذه المواد إلى جانب ذلك تناول المؤلف العوامل العابثة الأخرى التي آلت إلى الإنسان حال تكوين نطغته، وأثناء نموه وأطوار تناميه المتعاقبة، وهي عوامل يمكن اعتبارها مصادر العبث الأولية في الحياة الإنسانية، والتي هيأته إلى ممارسة العبث الأكبر، أو ما يصح اعتباره عبث العبث، وهو تعاطي المواد العابثة بالعقل. والكتاب هو واحد في سلسلة المؤلف أبواب العقل الموصدة والتي يحاول المؤلف من خلالها فتح آفاق على العقل الإنساني الذي تبقى، ورغم تقدم العلم ورغم الاكتشافات وو.. تبقى فيه زوايا مودة هي بحاجة لجهد إلى اكتشاف أسرارها.