في علم تفسير الحلم، كما في الأسطوريات وما إلى ذلك من العلوم، تكون التأرخة ضرورية ولا بدية من أجل إنارة الماضي والإنسان، العقل والتفسير أو الفهم، التكذيب والتصويب، كشف العقبات والزيف وإظهار التطور والتقدم. كما يكون ضرورياً ولا بدياً، من جهة أخرى، الاستنارة بحصائل فلاسفة العلم المعاصرين: بوبّر، فون، بياجيه، باشلار..، وحتى فَيَرْآ ...
قراءة الكل
في علم تفسير الحلم، كما في الأسطوريات وما إلى ذلك من العلوم، تكون التأرخة ضرورية ولا بدية من أجل إنارة الماضي والإنسان، العقل والتفسير أو الفهم، التكذيب والتصويب، كشف العقبات والزيف وإظهار التطور والتقدم. كما يكون ضرورياً ولا بدياً، من جهة أخرى، الاستنارة بحصائل فلاسفة العلم المعاصرين: بوبّر، فون، بياجيه، باشلار..، وحتى فَيَرْآ بند نفسه. فتعدد المناهج، وعدم تقديس وأسطرة علم أو منهج، وفتح السدود بين المناهج أو بين فروع المعرفة، أمر يمكن تعلمه من فلسفة العلم المعاصرة كي تتحقق السيطرة على المسار، وتتدعم المردودية والتأدية الأسرع والأدق والأتم. إن وحدة العلوم، وأنسنة العلم، هدف استراتيجي للإنسان والعقل، وهدف يقود التفكير المحض، والممارسات التطبيقية.والدكتور زيعور، في كتابه هذا يتوافق مع تلك المنهجية حيث يقوم بتوظيف معرفته الثائرة في الحلم، بغية معرفة جديدة ثائرة بالفكر والمجتمع، الثقافة والحضارة، الإيمان والعقل، الدين والفلسفة، الوعي واللاوعي. فالحلم أداة معرفة بالشخصية والمَرَض النفسي والسّوائية، وبالمعرفة نفسها والوجود والقيميات، وبالفن والأدب والعلم، وبالتاريخ والإرادة، والحرية والفضيلة.والمؤلف إلى هذا لا يقول بأن القطاع الحلمي هو، في الثقافة والشخصية والعقل نفسه، طريق وحيد إلى تشخيص اللاواعي وما يماثله (غير المتمايز، الرمزي، اللامفصوح...) وهو، لا يقول أيضا أن الحلميات وسيلة حاسمة أو أداة وحيدة للعلاج في عالم الشخصية الفكر، العصاب والاضطراب النفسي، أو لعلاج غير السوائي والقهري في الشّعر والأيديولوجيا، الرواية والأسطورة، الكابوس وتخلخل الوعي أو الإرادة، الحضارة والتاريخ... إلا أنه يقول بأن الحلميات وسيلة من الوسائل، أو جهاز كشف من بين أجهزةٍ أخرى كلها لا بدية من أجل الرعاية النفسية على صعيد الفرد والجماعة والمجتمع.فالجهاز الحلمي، بتقنياته واكتشافاته وتثميراته، ينفع وينجح ليس فقط في الوقاية؛ إنه أيضاً فعّال وسديد من أجل الصيانة النفسية الاجتماعية، من ثم العقلية؛ لأن الصحة النفسية، للأنا والنحن والحقل، هي تعزيز كل اقتدار على كل مستوى، ثم من حيث الأبعاد كلها. وفي مجال قراءة الحلميات، شخّص الدكتور زيعور وحاكَمَ، في كتابه هذا، أوّالِيات وقواعد التفكير، أو أسسه ومنطقه ونيته، عند المجموع العام أو الكل الأجمعي الذي تم توزيعه تبعاً للمألوف والمترسي عند الأسلاف، إلى أنساق هي: النسق الصوفي العرفاني؛ الفلسفي البرهاني، نسق الفقهيات والأحاديثية والأنبيائية الذي حكم أهل الخطاب البياني أو الشخصية القاعدية (المنوالية) أو النحن الأساسية (الغرارية) للإنسان والجماعة في التاريخ للإسلام وللأديان المقارنة.وأما عن منهجيته فيقول المؤلف بأنه وكما يقال بحق الأسلاف في قراءتهم للنص الحلمي، المقدس وشبه المقدس، والدينيائي الدهري، وبحقهم في اختيار المنهج والسلاح والقواعد، والأدوات الفكرية، بكذلك هو اليوم يختار حقه وحريته في اعتماد المنهج الذي ينفتح على كل منهج. إن اعتماد مناهج متعددة، والانطلاق من مقولة تعدد المستويات وتداخلها وتعدد القراءات والمعاني والاختصاصات، هو اعتماد لمقولة ترفض التعصب لطريقة واحدة، ولحقيقة محتكرة أو يدّعي واحدٌ وحده امتلاكها، وللميادين المعرفية المتكاملة.