إن للمدرسة العربية الراهنة في الفلسفة والفكر خطاباً في الفلسفات الهندية؛ العملية منها والنظرية المحضة، ينتقد ويتخطى المواقف الانبهارية تجاه إحدى تلك "الفلسفات الشرقية" التي كوّنت المهاد والأهاب، المائدة والبدايات المؤسسة، الفعل الناظر المقلب وأسئلة الوجود والمعرفة والخير. وكما وَعْيَنَتْ المدرسة العربية في الفلسفة والفكر أوالية ...
قراءة الكل
إن للمدرسة العربية الراهنة في الفلسفة والفكر خطاباً في الفلسفات الهندية؛ العملية منها والنظرية المحضة، ينتقد ويتخطى المواقف الانبهارية تجاه إحدى تلك "الفلسفات الشرقية" التي كوّنت المهاد والأهاب، المائدة والبدايات المؤسسة، الفعل الناظر المقلب وأسئلة الوجود والمعرفة والخير. وكما وَعْيَنَتْ المدرسة العربية في الفلسفة والفكر أوالية الانبهار، ومن ثم أواليات الامتصاص التام اللاسويّ وإذابة الأنا في الأنت أو إفناء الآخر في الذات، فكذلك وَعْيَنَتْ المدرسة العربية في الفلسفة والفكر أواليات الانبهار، ومن ثم أواليات الامتصاص التام اللاسوي وإذابة الأنا في الأنت أو إفناء الآخر في الذات؛ فكذلك وَعْيَنَتْ الطرف أو القطب النقيض لذلك كله؛ أي لأوالية وإرادة الاستعلاء تجاه العقل الهندي منظوراً إليه، أو متعاملاً معه بغير احترام، وبنقص في المحبة، أو بأبعاد ومنطق أحادي إقصائي غير متعاطف مع الحقوق والحريات اللصيقة بل المميزة للإنسان والعقل والقول.تكرس المدرسة الفلسفية العربية، ضمن ميادينها، ميداناً خاصاً بالهنديات. فهذا الميدان يحلل ويحاور، ونتبادل معه التضافر والانفتاح والتفاعل بنفس الجدّة والجدية اللتين بهما معاً نتحاور ونتعاطى مع الفلسفة الغربية، لا سيما مع الرابوع الفلسفي الألماني، ومع تجارب أمم أخرى في داخل الدار العالمية للعقل والكليات، للأيسيات والمعرفيات وللخير، كما للسعادة والحرية والمعنى... فيما عدا العقل الصيني، على خريطة العقل البشري أو في داره المسكونية، يلاحظ أنه يواصل قفزاته البطلية التي أسقطت أسطرة العقل "الغربي" لنفسه، ومركزاً نيته، وبطلنته لحضارته ومعناه، لتاريخه وتعاله، لمعجزاته وخرافاته.من هنا هل بالاستطاعة القول بأن هذا الكتاب هو، في تجديداته هذه أو حتى في حالته الأولى، مجرد تأرخة للأفكار والنظريات الهندية الكبرى؟ ليس ذلك، ولكن هذا الكتاب إنما يمثل محاولة في الكتابة الفلسفية؛ هو نشاط فلسفي، أو إسهام في الفعل الفلسفي المتحرك داخل الفكر العربي الراهن/المستقبلي، لا يقدم الكتاب تأريخاً للمعتقدات، وللعقائد الدينية ولا تاريخاً للحضارة أو للعلم وتطور الوعي في الهند وإنما يقدم من إعادة قراءة هذا الفكر الفلسفي نظر فلسفي يطمح إلى إعادة النظر في تعريف الفلسفة، وإلى إعادة المَعْينة والضبط. إن رغبة واعية بالمحو والتطهر، بالنقد والاستيعاب، تدفع إلى بناء فعل فلسفي أوسع مدى ومختلف التمركز والتمحور، والمراد الفعل الفلسفي نفسه، وفي حدّ ذاته، للتغذي به ولتثميره والتنوّر به وتوظيفه، كما المراد للخارطة الفلسفية أو للنظر في الإنسان أن يتجاوز، بعد التعلم والاستيعاب، خطاب كانط، ونتيشه، وهيدغر، أو خطاب ز. ن. محمود، وعبد الرحمن بدوي، وعبد العزيز الحبابي، بذلك يتطور النظر في العقل، بطرائقه وبمنتوجه؛ والنظر أيضاً في الرمزي والنفسي، في المطلق وفي النسبي، في العقلي وفي اللاعقلي أو الأسطوري في نقد الإنسان والمستقبل والأنسنة.