الموسيقى خير عزاء للإنسان، ما دام الإنسان يجد حتى في الحزن الموسيقي سعادته. ولئن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على أن الموسيقى يمكن أن تكون بديلاً عن اليوتوبيا. وهناك من يتحدث عن "الفردوس في الموسيقى"، انطلاقاً من أن للموسيقى القدرة على أن تسمو بالبشر فوق هموم الحياة اليومية. هذا هو شعور الموسيقيين أيضاً. فروبرت شوبان يرى "أن الموسي...
قراءة الكل
الموسيقى خير عزاء للإنسان، ما دام الإنسان يجد حتى في الحزن الموسيقي سعادته. ولئن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على أن الموسيقى يمكن أن تكون بديلاً عن اليوتوبيا. وهناك من يتحدث عن "الفردوس في الموسيقى"، انطلاقاً من أن للموسيقى القدرة على أن تسمو بالبشر فوق هموم الحياة اليومية. هذا هو شعور الموسيقيين أيضاً. فروبرت شوبان يرى "أن الموسيقى هي تلك اللغة التي يستطيع المرء أن يحاول من خلالها مع العالم الآخر". ويرى أرنولد شونبرغ "أن الموسيقى تحمل رسالة نبوئية لها معانٍ أسمى من الحياة". أما غابرييل فوريه فيذهب إلى أن الأحاسيس التي تتمخض عنها الأصوات، وليس المعتقدات الفلسفية، هي نقطة الانطلاق، فمثلاً أن لموسيقى بيتهوفن القدرة في التأثير على المستمعين أكثر من أيّة وسيلة تعبيرية أخرى، بما في ذلك اللغة، فإذا كان باخ أعظم بوليفوني، فقد كان بيتهوفن أعظم نفساني في الموسيقى، كما يقول سيريل سكوت. هذا لأنه كان إنساناً معذباً، واستطاع أن يخلق من العذاب فناً عظيماً. إن روعة موسيقى بيتهوفن تنعكس في ظاهرتين: 1-أنها تورث إحساساً بالمشاركة الوجدانية على مستوى لم يعرف من قبل، 2-أنها مهدت لظهور علم النفس التحليلي. إن من أعظم مزايا الموسيقى هو أنها تستطيع التعبير عن أي شيء، وكل شيء في شفرةٍ يفهمها القلب دون تدخل من الذهن الواعي. فيؤكد سيريل سكوت على أن موسيقى بيتهوفن عبّرت عن هموم الناس: عن آلامهم، وحرمانهم، وأوجاعهم، وآمالهم. ولعبت دوراً في أنسنة الإنسانية، وإذا كان مستمع موسيقى بيتهوفن يتملكه نوع من الحزن، فهو حزن موسيقي، حزن ينفّس عن النفس. فالموسيقى، وبصورة عامة، في لا دلاليّتها، وفي تعبيريتها العجماء، تتفوق على اللغة وبالتالي على الأدب والدراما، وحتى على الرسم والشعر، فيما توصله إلى المتلقي. من هنا يمكن للموسيقى أن تتسامى أكثر من اللغة.وهكذا يمضي علي الشوك في قراءاته الفلسفية والتاريخية والفكرية للموسيقى، وذلك بعد غوصه في عالم الموسيقى، فهو المسكون بباخ وبيتهوفن وديبوس، إلى جانب اهتماماته في متابعة الموسيقى "الطليعية"، وما بعد الطليعية، أو ما يمكن أن يدعى بموسيقى ما بعد الحداثة، يحاول هذا المسكون بعوالم الموسيقى والموسيقيين الساحرة، يحاول استعادة أحلام له توقفت منذ زمن، تلك الأحلام التي كان يستمع فيها إلى موسيقى من طراز آخر ي مكتبته في شارع الرشيد... كان حينها معجباً بسوناتا على الفيولا كانت تستحيل في أحلامه إلى موسيقى أخرى، واليوم وبعد استعادته لبعض من أحلامه الموسيقية، يطلع على المكتبة العربية بهذا الكتاب "أسرار الموسيقى" الذي يمثل موضوعاً يفتقر إليه القارئ العربي.يأخذ علي الشوك القارئ على أجنحة الحلم، حيث تستحيل كلماته وعباراته موسيقى تسري فتتلقفها الأحاسيس والمشاعر بلهفة. دون أن يعني ذلك إغفال الكاتب الوقفات الموضوعية التي عنت بتاريخ الموسيقى وبأحوال الموسيقيين وبفلسفة الموسيقى وذلك من خلال مؤلفات استعرض الكاتب كثيراً من جوانبها، شكل هذا كله كتاباً بالفعل هو على مستوى البوح بأسرار للموسيقى، ربما لم يكن للقارئ الشغوف بالموسيقى، أو حتى لذاك القارئ المتابع لكتب النقد الموسيقي الموضوعية، لم يكن لهما معاً الاطلاع عليها من خلال مؤلف شامل. يجمع في أسلوبه بين الرؤية الفلسفية وبين السرد الشفاف الذي يتناسب وروح الموسيقى.