شؤم الفلسفة: الحرب ضد الفلاسفة فى الإسلام

قد يظن بعض القراء بأن لاجديد يمكن أن يقدم بمضمار البحث فى تأريخ الفلسفة العربية/ الإسلامية, لاسيما وأن هذا المجال قد أشبع بحثا وتأليفا على مدى عقود وسنوات خلت, إلا أن استعادة الكلام حول هذه الفلسفة تحظى -فى تقديري- بوجاهة فكرية جديرة بالتوقف عندها.إذ لم تنل الفلسفة فى الإسلام من الاحترام مكانة مرموقة كما تدعى بعض مراجعنا الأكاديمية أو مناهجنا الدراسية التى "غامرت" وكتبت عن "بعض" الفلسفة/الفلاسفة, وحتى هذه المراجع/المناهج وعلى الرغم من قلة بضاعتها فى هذا الحقل, صمتت/غفلت عن ما تعرضت له الفلسفة منذ نشاتها وحتى اليوم من مآسي الحروب من لدن الفقهاء له والمتكلمين الأصولويين ومن رأى رأيهم الذين شنوا حملات عنيفة ومروعة على الفلاسفة بدأت بالتفكير والتشهير مرورا بالمطاردة والتشريد ولم تنتهى عند حرق الكتب والقتل! وقد يعتقد البعض إن هذا القول وإن صح فإنه حدث فى سالف العصور, ولا وجود له فى عالمنا المعاصر, لأننا نعيش اليوم فى ظل شرعة حقوق الإنسانية العالمية. ولكن الواقع, للأسف الشديد, يؤكد أن الفلسفة فى أرض الإسلام مازالت تواجه حروب وكراهية الفقهاء الأصوليون, لأنها لاتزال بنظرهم كفر وزندقة وأن الفلاسفة كفار وملاحدة, بل إنهم أدرجوها -أي الفلسفة- فى عداد المحرمات! و هذا الكتاب يتحدث عن "شؤم الفلسفة", ولكن ليس شؤمها بالإضافة إلى نفسها, بل شؤمها بالإحالة إلى موقعها فى المجتمع العربي/الإسلامي. فقد كان شؤم الفلسفة يترصد فلاسفة الإسلام أين ما ذهبوا وحيثما حلوا, كما كان يطاردهم -هذا الشؤم- خلال حياتهم وبعد وفاتهم أيضا! فى هذا الكتاب أتطرق, عبر فصلين, إلى سيرة فكرة آثمة/مشينة, نزفت بها قلوب تضطرم عداء, فتوغلت فى ارتكاب خطايا ما هدرت من دماء بريئة, وما اجتاحت من مبادئ إنسانية عظيمة. فى هذا الكتاب أقتفى أثر "الحرب الدينية" فى الإسلام على الفلسفة, وذلك فى محطاتها الكبرى التى تنم عن أبرز مظاهرها ومعالمها, وتشى بأظهر بواعثها وأسبابها, وتشير إلى أوضح نتائجها وآثارها. وسوف يكون الحديث منصبا على الفلسفة والفلاسفة فقط, إذ ليس من مهام هذا الكتاب التطرق إلى الحروب التى شنت من لدن الفقهاء الأصولويين ومن رأى رأيهم على الصوفية أو المتكلمين من المعتزلة وغيرهما.