ليس هذا الكتاب تاريخاً لفلسطين وإن كان في التاريخ الفلسطيني: في جانب منه واحد، فما يسعى إليه الكتاب هو الإجابة عن سؤال محدد هو كيف تكونت فلسطين اسماً ووطناً وشعباً وهوية؟ وربما بأسلوب آخر إنه بحث في عملية انبثاق هذا الوجود (الجغرافي-السكاني-السياسي) الذي يحمل اسم فلسطين، وتحققه كائناً مادياً ماثلاً في الزمان والمكان، واكتسابه ال...
قراءة الكل
ليس هذا الكتاب تاريخاً لفلسطين وإن كان في التاريخ الفلسطيني: في جانب منه واحد، فما يسعى إليه الكتاب هو الإجابة عن سؤال محدد هو كيف تكونت فلسطين اسماً ووطناً وشعباً وهوية؟ وربما بأسلوب آخر إنه بحث في عملية انبثاق هذا الوجود (الجغرافي-السكاني-السياسي) الذي يحمل اسم فلسطين، وتحققه كائناً مادياً ماثلاً في الزمان والمكان، واكتسابه الماهية التي هو عليها.وهذه العملية هي ما أصطلح عليه بالتكوين بمعنى محدد هنا هو صيرورة التخليق بعواملها وعناصرها كافة، التي نتج عنها في النهاية الوجود الفلسطيني. والتكوين بهذا المعنى-نراه مستكملاً في خمس موضوعات ذات قربى ولا انفصال فيما بينها، أو هي أوجه خمسة لجواهر واحد كما يلي: الموضوعة الأولى اسم فلسطين نفسه-بدءاً من جذوره التاريخية ومروراً بالتنويعات اللفظية المختلفة التي طرأت على الأصل-ليس فقط من حيث وظيفته التعريفية أو العملية بل، من حيث ما تفرضه ديمومة الاسم في التاريخ، وعلى مدى قرون ودون انقطاع من دلالات سياسية.والثانية عملية تكون الحيز المكاني الذي جعلت فلسطين في إطاره والتحولات التي طرأت عليه والعوامل التي صنعته إلى أن كان في حدود الجغرافية السياسية المعروفة. والثالثة تشكل هوية هذا الحيز الدالة عليه والمميزة له بكل مضامينها الوطنية والقومية. والرابعة نشوء مفهوم الشعب الفلسطيني وتطور هذا المفهوم ومعنى المواطنة. والخامسة: -وهي مشتقة من السابقة-مسألة تمثيل الشعب والمؤسسات والهياكل التي تجسدت فيها هذه المسألة، لما لها من دلالة على حدثه وكيانه المستقل. والموضوعات الخمس هذه هي فصول الكتاب الخمسة في هذا الكتاب.وقد هتم البحث عن الجذور من المؤلف العودة إلى تاريخ مفرق في القدم: إلى الزمن الكنعاني، من القرن الثالث عشر قبل الميلاد للكشف عن مكونات الهوية الأولى، وإلى القرون القليلة التي تلته مباشرة لكي تتبدى بدايات نشوء الاسم، بما يحمله من دلالات، ولمتابعة تطوره إلى أن استقر في صيغة فلسطين. وأيضاً كانت العودة إلى التاريخ القديم ضرورة لتتبع مراحل التأصيل العربي للهوية الفلسطينية، كذلك فإن التاريخ الحديث يقع ضمن الإطار الزمني لهذا الكتاب.فالحرب العالمية الأولى والسنوات القليلة التي أعقبتها بما تمخضت عنه من نتائج سياسية كانت حاسمة في رسم الخريطة الجغرافية/السياسية لفلسطين. ومثلها كذلك كان الانتداب البريطاني حتى العام 1948 الذي قاومه الفلسطينيون وواجهوا سياسة الصهيونية-إلى جانب أساليب المواجهة الأخرى-بفعل الالتزام بمفهوم الشعب وبتعميق هويته الوطنية والقومية. ونرى أن هذه المرحلة من تاريخ فلسطين الممتدة من الحرب العالمية الأولى إلى نهاية عهد الانتداب البريطاني هي التي شهدت صيرورة التكوين الفلسطيني وهي تصل إلى غايتها بتكامل موضوعات التكوين الأساسية الأربع: الاسم، والإقليم الجغرافي، والشعب، ومسألة التمثيل المنبثقة من مفهومه، والهوية، وهذا ما جعل مؤلف هذا الكتاب يتوقف عند نهاية هذه المرحلة إذ كل ما جاء بعدها إنما هو امتداد لمعطياتها.