إخوان الصفاء وخلان الوفاء، جمعية سرية تأسست على الأغلب في مدينة البصرة حاضرة الثقافة الإسلامية، في زمن ما من النصف الأول من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وتركت لنا ميراثاً فكرياً وروحياً متميزاً، بقيت آثاره فاعلة في الثقافة العربية عبر عصورها، يتمثل في اثنتين وخمسين رسالة لم يذكر مؤلفاها أسماءهم، تستغرق في الطبعات الح...
قراءة الكل
إخوان الصفاء وخلان الوفاء، جمعية سرية تأسست على الأغلب في مدينة البصرة حاضرة الثقافة الإسلامية، في زمن ما من النصف الأول من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وتركت لنا ميراثاً فكرياً وروحياً متميزاً، بقيت آثاره فاعلة في الثقافة العربية عبر عصورها، يتمثل في اثنتين وخمسين رسالة لم يذكر مؤلفاها أسماءهم، تستغرق في الطبعات الحديثة نحو ألفين وخمسمائة صفحة، تبحث في شتى معارف عصرهم من فلسفة وعلوم وإلهيات، وتهدف إلى التأسيس لمذهب إسلامي ذي طابع كوني، يستغرق المذاهب كلها ويوحد بينها...
لقد تأثر الإخوان بالفلسفة اليونانية، ووضعوا فيثاغورث وأفلاطون وأرسطو في درجة تعادل درجة الأنبياء، واستشهدوا بأقوالهم في سياق واحد مع أقوال عيسى المسيح والرسول الكريم: كما تأثروا بالفلسفة الأفلاطونية الحديثة التي نشطت في المشرق العربي في العصر الهيلينستي، لا سيما فيما يتعلق بنظرية الفيض الإلهي التي تفسر كيفية ظهور العالم من الله سبحانه وتعالى، وصبت في إنائهم الفكري تيارات قادمة من الهند وفارس، والصائبة المحليين في حران وهم أصحاب عقيدة كوكبية تقدس الأجرام السماوية، ولكنهم خرجوا من ذلك كله بمذهب أصيل أسس لغنوصية إسلامية أعطت ثمارها بعد ذلك في الفكر الصوفي، ولدى الفرق الإسلامية ذات الطابع الفلسفي وهي: الإسماعيلية والنصيرية والدرزية.
لقد أردت أن أُخرج رسائل إخوان الصفاء من حلقات الدراسة الأكاديمية، الفلسفية منها خاصة، لأضعها بين أيدي أوسع شريحة ممكنة من القراء، ليطلعوا عليها عن طريق نصوصها ولغتها الأصلية، ويصدق وحرارة أسلوبها، وأقدم لمن تاقت نفسه لقراءتها ولم يجد سبيلاً إلى الولوج إليها، مزدلفاً سهلاً من خلال زيدتها التي استخلصتها في هذا الكتاب، الذي أردت له أن يتخذ شكل "رسالة جامعة عصرية" لرسائل إخوان الصفاء، التي تحتاج اليوم إلى قراءتها أكثر من أي وقت مضى، في زمن تسود فيه الطائفية والمذهبية والتعصب، ويُختصر الدين إلى جملة من الشعائر الشكلية المنقطعة عن أصولها الروحانية.