تقع مدينة تطوان على سفوح جبل درسة وجبل غرغيز، وهما امتداد لسلسلة جبال الريف بشمال المغرب، وهذا الموقع الاستراتيجي سهل لها الانفتاح على التأثيرات الخارجية، حتى أضحت نقطة عبور ما بين شبه الجزيرة الإيبيرية والمغرب، وفـي الوقت الذي تتميز فيه بطرازها الأندلسي العريق، وبخصوصيتها البارزة، وباندماج طابعها المعماري فـي محيطها الجبلي، تُع...
قراءة الكل
تقع مدينة تطوان على سفوح جبل درسة وجبل غرغيز، وهما امتداد لسلسلة جبال الريف بشمال المغرب، وهذا الموقع الاستراتيجي سهل لها الانفتاح على التأثيرات الخارجية، حتى أضحت نقطة عبور ما بين شبه الجزيرة الإيبيرية والمغرب، وفـي الوقت الذي تتميز فيه بطرازها الأندلسي العريق، وبخصوصيتها البارزة، وباندماج طابعها المعماري فـي محيطها الجبلي، تُعدُّ تطوان حاضرة عريقة قامت كعاصمة لشمال المملكة المغربية، ومرفأ على شاطئ البحر الأبيض المتوسط باعتبارها جزءاً من بلدة مرتيل المطلة على البحر، ومدينة متوسطية انصهرت فيها مميزات طوائف عديدة بثقافاتها وبمعارفها، مكونة حضارة مغربية أندلسية جديدة.وتزخر مدينة تطوان بموروث حضاري إسلامي عريق يشهد على ازدهار فنون العمارة التي بناها مجاهدون غرناطيون هُجِّروا من أراضيهم الأصلية، وساهموا بشكل وافر فـي تأسيس مدينة متفردة بأسوارها، وبحصونها، وبمساجدها، وبمدارسها، واكتست أهمية كبرى كمركز لاستقبال الحضارة الإسلامية الأندلسية خلال العصور الإسلامية المتعاقبة، فصارت محط لاهتمام المؤرخين والباحثين المغاربة والأجانب.ولكل هذه الاعتبارات، يسعدني أن أخصص هذا العدد من سلسلة «روائع الآثار المغربية للأطفال والناشئين» لإلقاء الضوء على روائع الآثار فـي مدينة تطوان، للمساهمة فـي نشر الوعي الأثري بكنوزها الأثرية التي خلفها الأجداد، والتي سهلت تصنيفها على قائمة التراث الإنساني العالمي منذ عام 1997م، لما تحتضنه من إرث استثنائي متفرد من المعالم التاريخية والحضارية والأثرية الباقية فـي مدينة تطوان : «الحمامة البيضاء»، والتفاحة الفيحاء، وعروس الشمال الحسناء، و«غرناطة المغرب»، تلك الجوهرة المكنونة الساحرة التي حوت العديد من الأسرار، التي أحاول فـي هذا العدد إبراز بعض من أسراها ومعالمها الحضارية والأثرية الثمينة.وإذ يسعدني أن أقدم هذا الكتاب إلى القارئ الكريم، متمنياً له أن يقضي لحظات ممتعة بين عبق تاريخ وروائع آثار مدينة تطوان، آملاً فـي تركيز جميع الجهود للحفاظ على معالم هذه المدينة العريقة، أجد لزاما عليَ أن يتصدر كتابي هذا أسمى آيات الشكر والتقدير إلى الأستاذ المؤرخ الكبير محمد ابن عزوز حكيم، وإلى الأستاذ عبد القادر الإدريسي وإلى الشيخ علي الريسوني، وإلى الفنان التشكيلي التطواني بوعبيد بوزيد، وإلى كل من مد لي يد العون من أجل إخراج هذا العمل بصورة تليق بعظمة تاريخ هذه المدينة وأمجادها، سائلاً المولى عز وجل أن يوفقنا لما فيه الخير لنشر الوعي الأثري بتراث المغرب الأقصى العريق للأجيال القادمة.وعلى الله قصد السبيل