لقد جاء الإسلام ليكون حدّاً فاصلاً في التاريخ الإنساني بين عصر الأديان إلى عصر الدين العالمي الخاتم، برسالة القرآن الكريم وقيادة محمد صلى الله عليه وسلم وكان ظهوره في جزيرة العرب، واختار الأمة العربية لتكون حاملة الرسالة التي محورها وحدانية الله تعالى، وتعزيز فكرة البعث والحساب، وإتخاذ التقوى بدلاً من العصبية القبلية أساساً لبنا...
قراءة الكل
لقد جاء الإسلام ليكون حدّاً فاصلاً في التاريخ الإنساني بين عصر الأديان إلى عصر الدين العالمي الخاتم، برسالة القرآن الكريم وقيادة محمد صلى الله عليه وسلم وكان ظهوره في جزيرة العرب، واختار الأمة العربية لتكون حاملة الرسالة التي محورها وحدانية الله تعالى، وتعزيز فكرة البعث والحساب، وإتخاذ التقوى بدلاً من العصبية القبلية أساساً لبناء قيم أخلاقية راسخة سامخة، فألغيت عصبية القبيلة، وأقيمت بدلها عصبية العقيدة.فصنع الإسلام وجود العرب، وجعلهم أمة ذات مكانة وسيادة، وصاحبة رسالة وحضارة، وقائدةً للبشرية ترسم لها منهجها، وتصوغ مفاهيمها، وتقوِّم عوجها وتشهد عليها، وإن الشروق المحمدي الذي انتشر ضياءه في جزيرة العرب قد وضع خطة لتعبير مسار العالم، وإستطاع تنفيذها في أقل من ربع قرن على صحراء الجزيرة العربية بين يدي الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، فنفث من روحه النقي وفكره الثاقب في بردة الصحراء، وظلّ يصقل معادنهم بتجلدٍ غريب، وهم يقادمون ببناء رهيب حتى نجح في آخر الأمر في إنشاء جيل كان أصلب عوداً وامنوا بصيرة استطاعوا حماية الدين من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث تحولوا إلى حصون ساحقة تكسرت أمواج الردة عند أقدامهم ثم مضوا قدماً إلى الأمام يتمتعون شعار التوحيد أن تطويه الخرافة.هذا وإن الدارس المحايد يرى آثار النبوة في شمائل أولئك الرجال الشجعان الذين أُشربوا من النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم حبّ الله تعالى وطلب رضاه، والتمهيد للقائه والشوق إلى جنته، فأقدرتهم هذه العواطف الجياشة على تهديم أسوار الباطل وكانت عالية.إن تربية محمد صلى الله عليه وسلم لهذا الجيل معجزته الكبرى بعد القرآن الكريم وإنا لنمسّ في أولئك الأصحاب ذوب نفسه صلى الله عليه وسلم، ونبل شمائله وعمق عبادته، وحبّه الجارف لذات الله جلّ جلاله، وإستعلائه الفذّ على مآرب الدنيا.هذا الجيل الذي أنشأه القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً، كان نموذجاً تجسدت فيه أساليب التربية النبوية، وفي هذا الكتاب يتناول المؤلف جانباً مهماً وكبيراً وذا مساحة واسعة من العمل النبوي التربوي والنشاط الدائب والإهتمام العظيم الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوليه أصحابه وأمته من بعدهم، لجلالته وخطورته... ألا وهو (حديث النبوءات)، وهو نوع فريد من أساليب التربية النبوية...فالمعلم الحكيم البصير الشفيق ينبه أتباعه وحوارييه وأمته إلى مكامن الحظر ومزلاّت الأقدام ومتاهات الأفكار ومضيّعات الأعمال ومدمرات الكيقان، ليحذورها ويعالجوها، ويوميء إلى مصادر الفتن وسبل الغواية ومسببات الإختلاف والفرقة والإقراب ليجتنبوها، ثم لا يسلمهم لليأس الذي يفتّ في أعضاءهم، ولا للخوف الذي يجنبّهم، ولا للقنوط الذي يقعد بهم عن العمل ويقودهم للإستسلام ونفض الأيدي من التغيير، وإنتظار القوارع والمهلكات والمعجزات، بل يضيء في سبيلهم المنارات التي تبدد الظلمات وتكشف المخبوءات وتنير الطريق وتهدي وتزيل الحيرة، فيحدثهم بالبُشريات وببوارق الأمل وحسن المعاقبة.وقد عرض المؤلف لهذه النبوءات ضمن الأجزاء الأربعة لهذا الكتاب، حمل الجزء الأول النبوءات المتعلقة بالأشخاص ثم بالغزوات والفتوحات، وتحدث في الجزء الثاني من نبوءات الفتن ثم نبوءات الخلافة والملك والإمارة والحكم، وأما الجزء الثالث فقد دار حول النبوءات في أحوال الإسلام والمسلمين، وأخيراً تناول الجزء الرابع النبوءات في الأهواء والكذب وإنتشار الضلال والفساد، ثم النبوءات في مقارفة الكبائر وإنتهاك المحرمات، والنبوءات في فتن الدنيا والمال، ثم النبوءات في الأخلاق والعبادءات والآدات والمعاملات، والنبوءات في العلم وتلك التي من ظواهر الطبيعية.