تتحدد صلة أبي حيان التوحيدي (414) بالتصوف على صعيدين:(1) الصعيد المسلكي وفي كتبه أخبار كثيرة عن علاقاته بالمتصوفة ومعايشته لهم وانتحاله زيهم، وعن آرائه في تفاوضت إخلاصهم في الانصراف عن الدنيا ومغرياتها. (2) الصعيد النظري، وهو متصل بما يمكن أن نسميه تجوزاً "علم التصوف"، وعلى هذا المستوى يقع فهم أبي حيان لمعنى التصوف من أنه "اسم ي...
قراءة الكل
تتحدد صلة أبي حيان التوحيدي (414) بالتصوف على صعيدين:(1) الصعيد المسلكي وفي كتبه أخبار كثيرة عن علاقاته بالمتصوفة ومعايشته لهم وانتحاله زيهم، وعن آرائه في تفاوضت إخلاصهم في الانصراف عن الدنيا ومغرياتها. (2) الصعيد النظري، وهو متصل بما يمكن أن نسميه تجوزاً "علم التصوف"، وعلى هذا المستوى يقع فهم أبي حيان لمعنى التصوف من أنه "اسم يجمع أنواعاً من الإشارة، وضروباً من العبارة، وأنه "علم يدور بين إشارات إلهية وعبارات وهمية..." وهو في هذا منسجم مع مفهوم التصوف عامة حتى في عصره، وقد روي عن أبي علي الروذباري (322) أنه قال: "علمنا هذا إشارة فإذا صار عبارة خفي". وفي هذا السياق نجد أبا حيان قد خص التصوف بجهد فكري متميز، إذ كتب فيه عدداً من الكتب عددّ ياقوت منها عناويناً منها "كتاب الإشارات الإلهية" الذي نقلب صفحاته، وهو يقع بحسب قول ياقوت، في جزئين، لم يصل منهما سوى الأول، وقسم في الثاني أي ما بلغ 54 رسالة وملخصات من عشرة أخرى، وتعتمد الرسائل حجمها بناءً متشابهاً في التركيب الأصلي، يقوم على ركنين أساسيين هما : المناجاة (أو الدعاء) ومخاطبة شخص ما، والرسالة غالباً ما تبدأ بالدعاء، وتنتهي بالدعاء، وتتراوح فيما بين ذلك بين الخطاب والدعاء وأغراض أخرى، أبرزها شكوى الحال والزمان، وفي حوالي ثلثي الأحوال تنتهي بعبارة "يا ذا الجلال والإكرام". والغالبية العظمى من الرسائل نتوجه إلى مريد لم يمعن في سلوك الطريق بعد، أو إلى رجل يراد له أن يجد في التصوف طريقاً إلى الهداية والنجاة، ولذا تزخر الرسائل بالنصائح إلى ذلك المخاطب لحملة على ترك الدنيا والأعراض عما فيها من شهوات ورغبات، والأخذ بالفضائل التي يحث عليها الدين ويتطلبها الخلق العويم، ويبني أبو حيان خطابه لهذا المخاطب على فقرات متناثرة دونما نظام معين ضمن الرسالة الواحدة، وأكثر ما يبدأ تلك الفقرات بعبارة المناداة "يا هذا"، وفي أحيان قليلة يناديه بـ"أيها الإنسان" أو بعبارة "يا أخي". وقد ناداه مرة بعبارة "يا سيدي"، وتتفاوت صور النداء بتفاوت الموقف النفسي، بين المؤلف وصاحبه، وتبعاً للتفاوت في الحالات النفسية يتراوح حديث أبي حيان نفسه بين اللين والشدة، وفي هذا يمكن القول بأنه لا يعدم للمرء أن يستشف في كتاب الإشارات معلومات تتصل بأبي حيان نفسه، فهذا الكتاب مكمّل لفهم الأوضاع الاجتماعية والنفسية التي عاشها، وليس فحسب صورة من صور أسلوبه الصوفي الرائع