برزت في المعقدين الأخيرين ثلة من الأبحاث والدراسات التي عمل أصحابها على معالجة مجموعة من المسائل المشكلة في الفكر العربي المعاصر وما يوازيه ويكمن خلفه من مسائل متصلة بالوصفية العربية المشخصة، وقد برزت ضمن ذلك مسألة التراث العربي خصوصاً والعربي الإسلامي بصورة عامة. وإذا كان البحث في هذه المسألة قد لقي اهتماماً أولياً مركزاً من أص...
قراءة الكل
برزت في المعقدين الأخيرين ثلة من الأبحاث والدراسات التي عمل أصحابها على معالجة مجموعة من المسائل المشكلة في الفكر العربي المعاصر وما يوازيه ويكمن خلفه من مسائل متصلة بالوصفية العربية المشخصة، وقد برزت ضمن ذلك مسألة التراث العربي خصوصاً والعربي الإسلامي بصورة عامة. وإذا كان البحث في هذه المسألة قد لقي اهتماماً أولياً مركزاً من أصحاب تلك الأبحاث والدراسات الذين ينمون-في السياق العام-نحواً مادياً تاريخياً، فإن هؤلاء وجدوا أن إنجاز مهمتهم مرتهن، تاريخياً ونظرياً منهجياً، بتصفية الحساب مع من تصدى لمسألة التراث من موقع النزعة السلفية وما يناقضها شكلاً من نزعات عصرية وتلفيقية ومركزية شرقية وغربية، وغيرها.من هنا، يتجلى وتضح طموح الباحث عبد الباسط سيدا إلى اختراق اللوحة المركبة والمعقدة للفكر كالعربي المعاصر في واحد من أكابر ممثليه، وهو زكي نجيب محمود، وقد كان على الباحث أن يقوم بعملية معقدة أنجز عبرها الإجابة، أو على الأقل طرفاً من الإجابة عن السؤال المركب التالي، من هو زكي نجيب محمود من الفكر العربي المعاصر والحديث، وما هي آفاق المنظومة الفكرية التي صاغها بعمق ودقة وطرافة؟ ما موقع هذه المنظومة من المعركة التي تقودها-بكثير من الحماسة وقليل من الجدوى-الطلائع المستنيرة من الشعب العربي ضد الخصوم في الداخل والخارج؟ هل من شأن من يتبنى الفكر المحمودي أن يجيب عن الإشكاليات الكبرى التي وقع فيها عصر النهضة العربية البرجوازية، وأن يطرح بدائل عنها في المرحلة الراهنة أو المستقبلية؟ وأخيراً، ما هي المصداقية النظرية المعرفية (الابستمولوجية) والأيديولوجية لذلك الفكر في وضعية مصرية (وعربية عموماً) تتسم بالتهشم الوطني والقومي والتخلف التاريخي؟ وقد أنجز الباحث طرفاً من هذه الإجابة المعنية وذلك من خلال بحث رصين في الوضعية الاجتماعية التاريخية، التي كمنت وراء فكر زكي نجيب محمود الفلسفي ورافقته ووشمته بوشمها وأيضاً من خلال بحث في ذلك الفكر من داخله، بحيث أتاح للقارئ أن يمتلك الآلية الرئيسية لهذا الأخير.