تنهض هذه الدراسة لقراءة النص الشعري الجاهلي برؤية منهجية ترتكز إلى منهج تأويلي يتخذ من منهج فلاديمير بروب البنيوي في دراسة الحكايات الخرافية، ومن نظرية أيزر وياوس في التلقي والتأويل منهجاً متحداً، على أن الباحث يعي حالة التناقض الظاهر بين النظريتين البنيوية والتلقي، ذلك أن البنيوية عند غير بروب لا تكترث بالأشياء أو الكيانات التي...
قراءة الكل
تنهض هذه الدراسة لقراءة النص الشعري الجاهلي برؤية منهجية ترتكز إلى منهج تأويلي يتخذ من منهج فلاديمير بروب البنيوي في دراسة الحكايات الخرافية، ومن نظرية أيزر وياوس في التلقي والتأويل منهجاً متحداً، على أن الباحث يعي حالة التناقض الظاهر بين النظريتين البنيوية والتلقي، ذلك أن البنيوية عند غير بروب لا تكترث بالأشياء أو الكيانات التي يمكن أن يشير إليها المعنى، كما أنها لا تهتم بالأسباب التاريخية وراء المعنى، أي أنها تتعامل مع النص الأدبي كما لو أنه شيء مستقل مقطوع عن موضوعه وعن موضوع القراءة، وبذلك فإنها تتناقض مع التأويلية تناقضاً لا رجعة فيه.ولعل قراءة النص الشعري الجاهلي بمنهج بروب ونظرية التلقي تسهم إلى حد بعيد في إزالة كثير من الغموض العالق بالشعر الجاهلي، أو على الأقل قد تسهم في تأويله، فالغموض التاريخي والديني والاجتماعي الذي يكتنف الشعرية الجاهلية يفرض وجود بؤر توترية وفجوات متعددة يمكن استشعارها في النص، وبين النص والمبدع، وبين النص والمتلقي. إن هذا الأمر يسمح بحوار جدلي بين القارئ والنص قد يكشف عن غير أفق من آفاق التوقع فيؤدي إلى بناء دائرة تأويليه، واكتشاف نموذج بنيوي يزيد حاضرنا النقدي وعياً جديداً بماضينا الشعري الجاهلي.وتحقيقاً لهذه الرؤية يأتي هذا البحث: قراءة النص الشعري الجاهلي في ضوء نظرية التأويل، استجابة فعلية لمنجزات تلك النظرية وآلياتها، فتوزع على فصول أربعة:فأما الفصل الأول الموسوم بـ: التأويل أصوله ومصادره في إطار النظرية النقدية المعاصرة، فقد جاء مؤصلاً لمفهوم التأويل وكاشفاً عن جوهره، ومبرزاً ماهيته ومقارباً بين جذوره الغائرة في صميم النظرية النقدية على اختلاف عصورها وآمادها، إذ اشتمل على مفاصل ثلاثة: أولها، الأصول المعرفية، وهي: الأصول الفلسفية القديمة، والأصول الدينية كما ظهرت في الكتاب المقدس والقرآن الكريم والفكر العربي الإسلامي، وما تضمنته من أصل لغوي.وأما الفصل الثاني: "مشكلات التفسير التاريخي والأسطوري للشعر الجاهلي: رؤية نقدية في القراءات المغيرة، فيقدم رؤية تحاول النفاذ إلى نقد القراءات التاريخية والأسطورية في ضوء مخرجات نظرية التلقي والتأويل ولذلك فقد بدأ هذا الفصل بمدخل يبرز مفاصل نظرية التلقي التي تعلي من شأن القارئ في تلقي النص وتقارب بين البنيوية والنظريات التي تتعامل مع النص الأدبي بوصفه موضوعاً معرفياً.على أن نقد القراءات التاريخية والأسطورية قد انطلق من تحديد مفهوم النص. وبناءً على هذا التحديد اتجه البحث نحو الكشف عن مشكلات القراءة التاريخية، متخذاً من قراءة طه حسين في الشعر الجاهلي، مركزاً موضوعياً لاكتناه مشكلات القراءات التاريخية الأخرى، التي ترى أن النص الجاهلي حالة تموضع تاريخي وحسب، فكانت مقولة طه حسين: إن الشعر الجاهلي لا يعبر عن الحياة العقلية والدينية والاجتماعية للعصر الجاهلي، محفزاً منهجياً ومثيراً فكرياً لتطور قراءة الشعر الجاهلي، فجاءت القراءات الأسطورية لتقدم رؤية فكرية تتضاد مع رؤية طه حسين فحواها أن الشعر الجاهلي تعبير حقيقي عن الحياة الجاهلية بمختلف اتجاهاتها.وأما الفصل الثالث: قضايا الشعرية الجاهلية ومشكلات القراءة والتأويل، فهو من أكثر فصول هذا البحث جدلاً، ذلك أن المؤلف قد حاول تلمس أبرز قضايا الشعرية الجاهلية، فتطرق إلى مشكلات القراءة والفهم في ظاهرة النسيب التي حظيت بغير قراءة على غير اتجاه، فرصدت أهم المشكلات التي برزت في فهم تلك الظاهرة التي قرئت في ظل ثقافة مغايرة، ولعل أبرز تلك القراءات وأشدها تأثيراً قراءات المستشرقين التي عرضت رؤى جديدة في فهم ظاهرة النسيب تستند على غير بعد معرفي أو أنطولوجي.وأما آخر فصول: "استراتيجيات القراءة والتأويل في الشعر الجاهلي: دراسة نصية"، فيأتي مستجيباً لمنهج فلادمير بروب في دراسته للحكايات الخرافية، وما طرأ عليه من تعديل عند "غريماس" بحيث أضحى منهجاً يستجيب لكل أنماط الخطاب الأدبي.