عنوان هذا الكتاب يطرح سؤالاً على مستوى البشرية كلّها: من قريبي؟البشرية تزداد تقارباً بعد يوم. فالاتصال من خلال وسائل الإعلام تتضاعف ويتسارع. والأحداث السياسية والاجتماعية والأزمات الاقتصادية أو الكوارث الطبيعية لا تثير الاهتمام في بلدان أخرى وحسب. بل كثيراً ما تؤثر تأثيراً مباشراً في الميادين الاقتصادية والسياسية. وتكاثرت كذلك ا...
قراءة الكل
عنوان هذا الكتاب يطرح سؤالاً على مستوى البشرية كلّها: من قريبي؟البشرية تزداد تقارباً بعد يوم. فالاتصال من خلال وسائل الإعلام تتضاعف ويتسارع. والأحداث السياسية والاجتماعية والأزمات الاقتصادية أو الكوارث الطبيعية لا تثير الاهتمام في بلدان أخرى وحسب. بل كثيراً ما تؤثر تأثيراً مباشراً في الميادين الاقتصادية والسياسية. وتكاثرت كذلك الارتباطات والتبادلات. وإن قوافل اللاجئين من أقصى البلدان وجماهير السياح والعلاقات الخارجية هي دلائل جلية على قيام وضع جديد. فمجال الأرض صار أكثر ضيقاً، والناس صاروا أكثر قرباً بعضهم من بعض. غير أن مثل هذا التشابك الشديد لا يعني حتماً ازدياداً في التضامن الواقعي أو في العيش المشترك الحقيقي.فالضيق والقرب والعيش معاً يمكن أن تكون أشبه بجحيم. وقد صور جان-بول سارتر هذا الجحيم في مسرحيته "الأبواب المغلقة"، التي تمثل مواجهة لا رحمة فيها، هل حكم على الناس أن يعيشوا معاً، أم إن العيش معاً هو غنى وهبة؟ الجواب عن مثل هذا السؤال لا يمكن إيجاده على سطحيات الأمور. المعلومات السهلة والسريعة لا تؤدي بعيداً.هذا السؤال قد نضج في الأديان الكبرى وأفضى إلى أجوبة متنوعة. يبدو أن البشرية، ولا سيما في الأوساط الأوروبية منذ عصر الأنوار، لا يمكنها إيجاد جوابها عن مسائل الحياة الخاصة إلا في الابتعاد النقدي عن الأديان. غير أن هذا الاختبار قد تبين اليوم أنه خادع. فتساؤل الأنوار النقدي قد مثل مسيرة تعليمية حقيقية، ظهرت فيها في الوقت عينه مشاعر بشرية، إذ تم نقد هذا الفكر من قبل التقليد الديني. فقد نمت في عصر الأنوار اعتبارات، كمفهوم حقوق الإنسان، اعترف الدين المسيحي -بعد تردد في البداية- بأنها تمثل اعتقاداته الأساسية وقبلها.لقد مضى عصر الأنوار هذا. وإذا أراد الفكر المعاصر أن يبقى منغلقاً على نفسه يصير بلا اتجاه، ولا يستطيع أن يؤدي أية خدمة للبشرية. ومن ثم فالتأمل في الأجوبة التي تناقلتها الأديان هو ضرورية من أجل المستقبل. وفي هذا الأمر على هذه الأجوبة أن تبرهن عن صحتها في فكر تساؤلي نقدي.عن السؤال المطروح: "من قريبي؟" لا نجد جواباً واحداً في البوذية والهندوسية والإسلام واليهودية والإيمان المسيحي. فالراهب البوذي قد يرفض طرح السؤال: "من قريبي؟", فالأمر يتعلق عنده بأن يفقد الإنسان ذاته أي" شخصيته". ولكن ثمة في البوذية تعليم عميق عن الصلاح تجاه كل الكائنات الحية. فهل تكمن هنا نقطة تماس مع الإيمان اليهودي والمعتقد المسيحي؟ القرآن والسنة الإسلامية يتكلمان على علاقة بشركاء الإيمان أكثر من العهد القديم والعهد الجديد. ومن جهة أخرى، يتحفظ الإسلام بشدة تجاه الذين لا ينتمون إلى جماعة الإيمان المسلمة. هل يمكن بهذه الطريقة التمييز في السؤال عن القريب اليهودية والإيمان المسيحي يعترفان معاً بوصية محبة الله ومحبة القريب والمزدوجة. هل تحتل هذه الوصية عند اليهود والمسيحيين ببساطة المكانة نفسها؟ هل غيرت بشارة يسوع المسيح شيئاً في هذه الوصية؟الأسئلة والمعضلات ليست زهيدة. ولكن ألا يتوجب على الأديان أن يقترب بعضها من بعض وتدخل في حوار بعضها مع بعض. ألا يمكن أن يساعد اللقاء مع الآخر على أن يفهم الإنسان عقائده الخاصة فهماً جديداً؟هذا الكتاب يود أن يسهم في الإعلام وفي التفكير في النظرة الدينية للعيش معاً, وبالنسبة إلى الحوار الضروري بين الأديان، لا يسعه إلا أن يوقظ الشوق إليه.