نود أن نقر هنا إلى أن وضع كتاب في النظام الدستوري الأردني مهمة شاقة وغير سهلة، لا سيما أن هذا الكتاب يتم تدريسه لطلاب المستوى الجامعي في السنة الأولى، وإن كانت أهميته الخاصة لدى طلبة الدراسات العليا بحكم تدريس هذه المادة العلمية كدراسة متعمقة، وتنسحب هذه الأهمية على المواطن لتثقيفه سياسياً ودستورياً حول المبادئ الأساسية في كلٍ م...
قراءة الكل
نود أن نقر هنا إلى أن وضع كتاب في النظام الدستوري الأردني مهمة شاقة وغير سهلة، لا سيما أن هذا الكتاب يتم تدريسه لطلاب المستوى الجامعي في السنة الأولى، وإن كانت أهميته الخاصة لدى طلبة الدراسات العليا بحكم تدريس هذه المادة العلمية كدراسة متعمقة، وتنسحب هذه الأهمية على المواطن لتثقيفه سياسياً ودستورياً حول المبادئ الأساسية في كلٍ من النظم الدستورية ودساتير دول عالمنا المعاصر وفي النظام الدستوري الأردني، وفي هذا الإطار فإنه لا بد من اعتماد البساطة في طرح المعلومات والأفكار موضوع الكتاب، والإبتعاد عن الدخول في السجالات والآراء الفقهية النظرية، وطرح العموميات وتفرعاتها بقوة لفتح المجال أمام المتلقي لطرح التساؤلات التي تقوده إلى البحث في الموضوعات ذات الصلة والتعمق في دراسة الأبعاد الفكرية والفلسفية والسياسية والدستورية والقانونية التي تُجيب على تساؤلاته حول المادة العلمية التي قام بدراستها وقراءتها موضوع هذا الكتاب. وهذا ما حاولنا إدراكه خلال تدريس مادة النظام الدستوري الأردني لطلاب القانون في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا التي تشمل درجتي الماجستير والدكتوراه، حيث أن هذا الكتاب جاء شاملاً للمحاضرات التي تم إلقاؤها والتي سيتم إلقاؤها على الطلاب، والتي تُمثل نواة هذا الكتاب، بالإضافة إلى أن تحضير المادة العلمية لهذا الكتاب تتطلب القيام برحلة علمية استكشافية تم بها التحليق والإبحار حول العالم للتعرف عن قرب وعن كثب على النظم الدستورية المُختلفة والمتنوعة القائمة في دول عالمنا المعاصر وذلك للفائدة العلمية التي تنعكس لدى البحث في النظام الدستوري الأردني، وإننا سعدنا واستمتعنا أيضاً بالبحث والإطلاع والتنقيب والقراءة الشيقة والمُمتعة خلال رحلة التعرف على هذه النظم الدستورية، والتي تم نقلها بأمانة علمية تامة إلى طلابنا وقرائنا الأعزاء في هذا الكتاب. السلطة التنفيذية "Executive Authority" أو السلطة الإجرائية كما يسميها المشرع الدستوري اللبناني تمثل السلطة الرئيسة في السلطات العامة الثلاث، حيث أنه لا يمكن تصور قيام دولة دون وجود السلطة التنفيذية، ولكن يمكن تصور وجود دولة دون وجود السلطتين التشريعية والقضائية أو وجودهما صورياً حيث أن السلطة التنفيذية في الدول الاستبدادية تُهيمن على جميع مفاصل الدولة وتتغول على هاتين السلطتين الأخيرتين. وتكمن أهمية بل خطورة السلطة التنفيذية بأنها تمارس وظيفتها بصفة دائمة ومستمرة بعكس السلطة التشريعية التي قد ينقطع نشاطها بسبب عدم ممارستها عملها بصفة دائمة حيث أنها تمارس عملها لفترة محددة في السنة، وقد يتم حل البرلمان أحياناً لفترة زمنية طويلة نسبياً، حيث أن السلطة التنفيذية وبحكم ممارستها نشاطها الإداري فإنها تتمتع بامتيازات كثيرة ومتعددة تتمثل بمظاهر السلطة العامة وتوسلها وسائل القانون العام وتوفر الإمكانيات المادية والخبرات الفنية البشرية المتخصصة لدى احتكاكها اليومي والمباشر مع الأفراد خصوصاً في ظل الدولة المعاصرة التي انتقلت من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة، حيث لم يقتصر عمل الدولة على إشباع الحاجات العامة للأفراد بل إنها تدخلت في النشاط الفردي وفي كثير من المسائل والموضوعات التي تتسم بالطابع الفني المعقد، فإن السلطة التنفيذية وهي تنفذ سياسة تدخل الدولة، فإن الأعباء الملقاة على عاتقها وقد تزايدت وتعددت وتشعبت مجالات أنشطتها واتسع نطاقها، حيث إن السهر على حماية المواطنين والقوانين والعمل على تنفيذها وحماية وصيانة النظام العام بعناصره المتعددة، الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة والأخلاق والآداب العامة، أصبحت إحدى مهمات السلطة التنفيذية الثانوية، حيث إن وظيفة السلطة التنفيذية بات يختلف جذرياً اليوم عن الماضي القريب، حيث كانت الإدارة العامة مجرد وسيلة لتنفيذ الأهداف والسياسات التي تضعها السلطة العليا في الدولة، فقد أصبحت الإدارة العامة اليوم تساهم بشكل رئيسي في تحديد الأهداف وتشكيل السياسات، ومن ثم صنع القرارات وتنفيذها، بمعنى أن دور الإدارة العامة تحوَّل من مجرد التنفيذ إلى الإسهام في صنع هذه السياسة العامة للدولة، بل تخطى ذلك ليصل إلى وضع الإستراتيجية اللازمة لتحويل هذه السياسة إلى قرارات على أرض الواقع تحقق أهداف الدولة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكون السلطة التنفيذية تشكل الذراع التنفيذي للدولة، فإنها تحتكر القوة العسكرية وإيرادات الدولة المادية وتُنفذ القانون بالقوة الجبرية وذلك بهدف حماية المصلحة العامة والنظام العام في الدولة وتسيير المرافق العامة في الدولة وضمان ديمومتها وإضطرادها. ولهذا فإن دساتير دول عالمنا المعاصر ومنها دستور الدولة الأردنية تعمل على تحديد اختصاصات السلطة التنفيذية بشكل دقيق، وتخضع أعمالها لرقابة السلطتين التشريعية والقضائية، وذلك وفقاً للمفهوم الذي يتبناه المشرِّع الدستوري لمبدأ الفصل بين السلطات. لم يعرف اصطلاح "القانون الدستوري" إلا في سنة 1797 في إيطاليا، حيث تقرر تدريس مادة القانون الدستوري في كليات الحقوق بالجامعات الإيطالية، وتم البدء بتدريس مادة القانون الدستوري في كليات الحقوق بالجامعات الفرنسية لأول مرة سنة 1834 عندما قرر وزير التعليم "جيزو" تدريس هذه المادة، وكان أول أستاذ للقانون الدستوري في جامعة باريس هو البروفيسور "Rossi" خريج جامعة “Pologne” الإيطالية، وهذه النشأة التاريخية للقانون الدستوري في فرنسا أدت إلى الربط بين القانون الدستوري وبين دستور سنة 1830 من ناحية، وبين القانون الدستوري والنظام الديمقراطي الحر من ناحية أخرى الذي نشأ خلال القرن التاسع عشر، والذي كفل حقوق وحريات الأفراد، وفي السابع والعشرين من شهر آذار لسنة 1954 صدر مرسوم فرنسي بإضافة مادة "النظم السياسية" إلى مادة القانون الدستوري لتصبح مادة القانون الدستوري والنظم السياسية، وبعد ذلك تم تدريس هذه المادة في جامعات الدول الأخرى ومنها الدول العربية. الدستور لغوياً كلمة فارسية الأصل تعني الأساس أو البناء أو القاعدة وقد اعتمدت اللغة العربية هذه الكلمة، وتعني كلمة دستور "Constitution" الفرنسية لغوياً التأسيس أو التكوين. وانقسم الفقه الدستوري تعريفه للدستور إلى اتجاهين: الأول نص وثيقة الدستور، والثاني موضوع أو محتوى الدستور، فالاتجاه الذي يعتمد نص وثيقة الدستور يتبنى معياراً شكلياً في تعريفه للدستور، أما الاتجاه الذي يعتمد موضوع أو محتوى الدستور فيتبنى معياراً موضوعياً. والقانون الدستوري يتضمن مجموعة القواعد القانونية التي تتصل بنظام الحكم في الدولة، والتي تستهدف تنظيم السلطات العامة ــ أي التنظيم السياسي ــ فيها وتحديد اختصاصاتها والعلاقة فيما بينها، وتحديد اختصاصاتها والعلاقة فيما بينها، وتحديد حقوق وواجبات الأفراد، والأسس الفلسفية والأيديولوجية التي يقوم عليها النظام السياسي في الدولة. ونود أن نشير إلى أن اصطلاح الدستور واصطلاح النظام الدستوري مختلفان، في حين أن النظام الدستوري واصطلاح النظام السياسي هما مترادفان. وفي هذا الإطار فإن الفقه السياسي والدستوري لدى البحث في مادة القانون الدستوري، فإنه يتناول المبادئ العامة للقانون الدستوري ــ مع اختلاف في العناوين الرئيسة ــ والتي تتمثل في: ماهية الدساتير ونشأتها وأنواعها وتعديلها وإلغائها وطبيعتها واحترامها ورقابة الدستورية. وإن الدستور الأردني الحالي منذ 1952 حدد طبيعة نظام الحكم في الدولة الأردنية، حيث نص في المادة الأولى منه على أن نظام الحكم نيابيٌ ملكي وراثي، حيث اعتنق المشرِّع الدستوري الأردني النظام البرلماني، وبما أنه لا يوجد نظام برلماني واحد في دول عالمنا، وإنما توجد عدة أنظمة برلمانية أو عائلة أنظمة برلمانية تتسم بخصائص مشتركة، فإنه اعتنق النظام البرلماني بشكله ونوعه المزدوج ولم يعتنق النظام البرلماني الفردي أو الخالص وإن هذا النظام يقوم على دعامتين أساسيتين هما: ثنائية الجهاز التنفيذي أو ثنائية السلطة التنفيذية، والتي تتمثل في وجود رئيس دولة ووزارة، بحيث يكون رئيس الدولة غير مسؤول وتقرير مسؤولية الوزارة التضامنية والفردية السياسية، والتوازن والتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. وبموجب النظام البرلماني المزدوج الذي اعتنقه المشرِّع الدستوري الأردني، فإنه تم منح رئيس الدولة "الملك" سلطات فعلية وواسعة يمارسها بنفسه، وبذلك تم ترجيح كفة رئيس الدولة على كفة الوزارة، وذلك على عكس النظام البرلماني الفردي الخالص، الذي يتم بموجبه ترجيح كفة الوزارة على كفة رئيس الدولة. ونظم الدستور الحالي عمل السلطة التنفيذية وبيَّن علاقتها مع السلطات الأخرى، وخصوصاً السلطة التشريعية، حيث أن المادة 26 من الدستور أناطت السلطة التنفيذية بالملك والتي يمارسها بواسطة وزرائه وفق أحكام هذا الدستور. وأفرد الدستور الحالي الفصل الرابع منه للسلطة التنفيذية الذي تضمن المواد "28 ــ 57" وقسم الفصل إلى قسمين: القسم الأول: الملك وحقوقه، والقسم الثاني: الوزراء، ونصت المادة 94 من ذات الدستور على حق السلطة التنفيذية في وضع القوانين المؤقتة، ونصت المواد "45/1، 114 ، 120" على حق السلطة التنفيذية في وضع الأنظمة المستقلة، ونصت المادتان "124، 125" منه على حق السلطة التنفيذية في إعلان حالتي الطوارئ والأحكام العرفية. وإن الدستور الأردني الحالي لسنة 1952 نظم عمل السلطة التشريعية وبين علاقتها مع السلطات الأخرى، وخصوصاً السلطة التنفيذية، حيث أن المادة 25 منه أناطت السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك، ونصت على أن مجلس الأمة يتألف من مجلسي الأعيان والنواب، وجاءت المادة 62 منه لتقرر بأن مجلس الأمة يتألف من مجلسي الأعيان والنواب، حيث نصت "يتألف مجلس الأمة من مجلسين: مجلس الأعيان ومجلس النواب"، وبذلك فان المشرِّع الدستوري الأردني لدى تنظيم البرلمان أخذ بنظام المجلسين ولم يأخذ بنظام المجلس الأحادي أو الفردي. والدستور الأردني فيما يتعلق بالاختصاص التشريعي، فإنه لم يجعل هذا الحق يقتصر على السلطة التشريعية وحدها، بل منح هذا الحق إلى السلطة التنفيذية حيث قرر منح السلطة التنفيذية حق التشريع الفرعي بإصدار الأنظمة بأنواعها المختلفة التنفيذية والمستقلة وذلك في المواد "31، 45/2، 114، 120، 125" منه، ولم يتوقف عند هذا الحد بل ذهب بعيداً ومنح السلطة التنفيذية حق التشريع أيضاً بوضع القوانين المؤقتة التي تصدر بموجب المادة 94 منه، ومنح هذه القوانين القوة القانونية التي تتمتع بها القوانين العادية الصادرة عن السلطة التشريعية، ومنحها هذا الحق في حال غياب السلطة التشريعية، متى كان مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاً، وتوفر شرط الضرورة وشرط الاستعجال، وهذه القوانين المؤقتة تكمن خطورتها في أنها تملك إلغاء أو تعديل أي قانون عادي صادر عن السلطة التشريعية، وهذا الأمر بالطبع يؤدي إلى اعتبار السلطة التنفيذية هي المشرِّع العادي فيما تصبح السلطة التشريعية هي المشرع الاستثنائي! إذا كان تطبيق وإعمال مبدأ الفصل بين السلطات وفقاً لمفهومه المطلق يقتضي قيام كل سلطة من السلطات الثلاث في الدولة باختصاصاتها المحددة دستورياً، ولا يجيز لأي سلطة بالقيام باختصاصات سلطة أخرى، وإن قامت بذلك، فإن ذلك يشكل اعتداءً على اختصاصات سلطة أخرى، فالسلطة التشريعية "Legislative Authority" وفقاً لهذا المفهوم هي صاحبة الولاية العامة والاختصاص الأصل في التشريع، ولا يجوز لأي سلطة أخرى وخصوصاً السلطة التنفيذية منازعتها أو مقاسمتها في هذا الاختصاص الأصيل، والقيام بالتشريع. ولكن مع التطور الذي حدث على مفهوم هذا المبدأ، حيث انتقل هذا المفهوم من مفهوم مطلق إلى مفهوم نسبي ومرن، فإن هذا المفهوم النسبي يُجيز لسلطة ما من السلطات العامة القيام باختصاص سلطة أخرى، ويترتب على ذلك قيام السلطة التنفيذية باختصاص التشريع وذلك بقيامها بوضع وسن التشريع الفرعي المتمثل بالأنظمة ومنها الأنظمة المستقلة بهدف تمكين الإدارة من ممارسة نشاطها الإداري الذي يهدف إلى إشباع الحاجات العامة والأساسية للأفراد والمحافظة على النظام العام بعناصره المتعددة، الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة والأخلاق والآداب العامة. وبذلك فان اختصاص التشريع لم يعد يقتصر على السلطة التشريعية، وإنما السلطة التنفيذية تقوم بهذا الاختصاص، حيث تقوم بوضع التشريع، وقيام السلطة التنفيذية بوظيفة واختصاص التشريع الذي تنص عليه أغلب دساتير دول العالم ومنها الدول الديمقراطية، والتي منها فرنسا، حيث ينص دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة أي الدستور الحالي الصادر سنة 1958 على حق السلطة التنفيذية بوضع التشريع الفرعي وإصدار الأنظمة وخصوصاً الأنظمة المستقلة، التي تصدر بموجب المادة 37 من هذا الدستور، بل أن هذا الدستور ذهب بعيداً بأن جعل اختصاص السلطة التشريعية في التشريع في موضوعات واردة على سبيل الحصر أوردها في المادة 34 منه، وما يخرج عن هذا التعداد يدخل في اختصاص السلطة التنفيذية بموجب المادة 37، وحتى أن اختصاص السلطة التشريعية في التشريع المحدد على سبيل الحصر بموجب المادة 34 منه ليس اختصاصاً خالصاً، بل تستطيع السلطة التنفيذية التشريع في وضع الأحكام الأساسية الواردة في الفقرة الرابعة من المادة 34، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن الدستور الحالي قرر حماية دستورية للنطاق اللائحي الوارد في المادة 37 منه، بموجب المواد "37/2، 41، 61" منه، حتى أن الفقه الإداري والدستوري الفرنسي اعتبر أن ذلك يشكل انقلاباً على العلاقة بين القانون والأنظمة، ويشكل أيضاً انقلاباً على العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث أصبحت الأخيرة، أي السلطة التنفيذية هي المشرع العادي، فيما أصبحت السلطة التشريعية هي المشرع الاستثنائي! وفيما يتعلق بالسلطة القضائية وخصوصاً القضاء الدستوري فإن تعديل الدستور لسنة 2011 تضمن النص على إنشاء محكمة دستورية في الفصل الخامس منه بموجب نص المواد "58، 59، 60، 61"، وبذلك انتقل المشرع الدستوري من لامركزية الرقابة الدستورية إلى مركزية الرقابة الدستورية.