إذا كانت مادة "القانون الدستوري" تم تدريسها لأول مرة في كليات الحقوق بالجامعات الإيطالية سنة 1797، فإنه تم تدريس هذه المادة لأول مرة في كليات الحقوق في الجامعات الفرنسية سنة 1834، وفي السابع والعشرين من شهر آذار لسنة 1954 صدر مرسوم فرنسي بإضافة مادة "النظم السياسية" إلى مادة القانون الدستوري لتصبح مادة "القانون الدستوري والنظم ا...
قراءة الكل
إذا كانت مادة "القانون الدستوري" تم تدريسها لأول مرة في كليات الحقوق بالجامعات الإيطالية سنة 1797، فإنه تم تدريس هذه المادة لأول مرة في كليات الحقوق في الجامعات الفرنسية سنة 1834، وفي السابع والعشرين من شهر آذار لسنة 1954 صدر مرسوم فرنسي بإضافة مادة "النظم السياسية" إلى مادة القانون الدستوري لتصبح مادة "القانون الدستوري والنظم السياسية"، وبعد ذلك تم تدريس هذه المادة في جامعات الدول الأخرى ومنها الدول العربية. يتألف مصطلح النظام السياسي من مفردتين هما: نظام وسياسة، ويُقصد بالنظام ترتيب مجموعة العناصر المادية وغير المادية بشكل ترابطي لتحقيق هدف معين، ويُقصد بالسياسة الأسلوب المتبع لإدارة مجال معين. أما مدلول النظم السياسية، وإن كان جانب من الفقه يرى بأن تعبيري القانون الدستوري والنظم السياسية ليس سوى مترادفين لأنه يُقصد بالنظم السياسية نظام الحكم الذي يسود دولة معينة، وهذا ما يتضمنه القانون الدستوري، لأن هذا القانون يتضمن مجموعة القواعد التي تتصل بنظام الحكم في الدولة، حيث أن هذه القواعد تنظم السلطات العامة في الدولة وتحدد اختصاصاتها وتُبين العلاقة فيما بينها، وتحديد حقوق وواجبات الأفراد والأُسس الفلسفية والأيديولوجية التي يقوم عليها النظام السياسي في الدولة، فإن غالبية الفقه يذهب إلى القول بأن مدلول القانون الدستوري ومدلول النظم السياسية مدلولان مختلفان، على الرغم من أن أساس موضوع اهتمام كل منهما واحد: فالقانون الدستوري يهتم بالجانب القانوني المجرد لنظام الحكم في الدولة، في حين أن النظم السياسية تتناول انطلاقاً من الجانب القانوني العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تؤثر في نظام الحكم في الدولة. وانطلاقاً مما تقدم يرى جانب من الفقه الدستوري أن مصطلح النظام السياسي يُقصد به مجموعة المؤسسات السياسية في الدولة التي تتوزع فيما بينها آلية أو سلطة التقرير السياسي، ويدمج بالتالي هذا الجانب من الفقه بين مفهومي القانون الدستوري والنظام الدستوري، حيث أنه يقصر دراسة موضوع النظام السياسي على الإطار القانوني أو التنظيمي لنظام الحكم في الدولة كتحديد شكل الدولة أو الحكومة ووظائفها المحددة في الدستور وتحليل هذه النصوص دون البحث في كيفية تطبيقها وتفاعلها مع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية في الدولة، وأما غالبية الفقه الدستوري فإنه يُدخل ضمن نطاق دراسة النظم السياسية إضافةً إلى السلطات العامة في الدولة الهيئات والمنظمات التي تؤثر بشكل أو بآخر في السياسات المتبعة من قبل الدولة في تدخلها بشكل مباشر أو غير مباشر وبدرجات متفاوتة في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي يطلق عليها مؤسسات المجتمع المدني وأهمها الأحزاب السياسية وجماعات الضغط الاقتصادية والاجتماعية والدينية والفكرية التي تدافع عن مصالح ومنظومات فكرية، لكي لا نقول بأنها تدافع عن أيديولوجيات ثابتة، ومن ذلك فإن دراسة النظام السياسي لدولة معينة تتطلب دراسة المنظومة الفكرية السائدة فيها من جميع هذه المجالات وخاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، إضافةً إلى النواحي السياسية البحتة والقانونية المنظمة في الدستور التي تحدد شكل الحكومة، لذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار المؤثرات في هذا النظام التي تنجم عن الواقع المحيط بكل دولة والمتعلق عادةً بأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية ودينية وتاريخية، وأحياناً أمنية، نتيجةً لهذه الاعتبارات المختلفة يمكننا القول: إن النظم السياسية المطبقة في دول عالمنا المعاصر هي أيضاً مختلفة ومتعددة لأنها ما هي إلا نتاج لتأثير كل هذه الاعتبارات.