- دراسة الأحكام التي وردت في التشريعات التجارية والمتعلقة بالأعمال التجارية والتجار والمتجر والعقود التجارية والعمليات المصرفية والشركات التجارية والأوراق التجارية تقتضينا أن نمهد لها بمقدمة عامة نلقي فيها نظرة شاملة على القانون التجاري نوضح فيها المقصود به، وبيان موقعه من التقسيم العام للقانون ثم نحدد نطاق تطبيقه. كما نبحث في ه...
قراءة الكل
- دراسة الأحكام التي وردت في التشريعات التجارية والمتعلقة بالأعمال التجارية والتجار والمتجر والعقود التجارية والعمليات المصرفية والشركات التجارية والأوراق التجارية تقتضينا أن نمهد لها بمقدمة عامة نلقي فيها نظرة شاملة على القانون التجاري نوضح فيها المقصود به، وبيان موقعه من التقسيم العام للقانون ثم نحدد نطاق تطبيقه. كما نبحث في هذه المقدمة خصائص القانون التجاري واستقلاله عن القانون المدني، والمصادر التي تنتج عنها وتتولد منها القواعد التي يشتمل عليها، ثم نشير إلى أثر التطور التكنولوجي على إبرام وتنفيذ العمليات التجارية بالوسائل الإلكترونية والتي أصبح يطلق عليها بالتجارة الإلكترونية. التعريف بالقانون التجاري وموقعه من التقسيم العام للقانون: 2- القانون عموماً هو مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في علاقات بعضهم ببعض، وكذلك علاقات السلطات العامة بعضها ببعض وعلاقاتها بالمواطنين. وعلى ضوء هذه الوظيفة المزدوجة للقانون جرت العادة على تقسيمه إلى قانون عام وقانون خاص. وهذا التقسيم الفقهي للقانون إلى عام وخاص يستند إلى أشخاص المخاطبين بقواعده، فإن كان القانون يطبق على الدولة أو إحدى هيئاتها بوصفها سلطة عامة ذات سيادة، سمي قانوناً عاماً، وإن كان موجهاً إلى الأشخاص العاديين، سمي قانوناً خاصاً. ولكن الصلة وثيقة بين القانون العام والقانون الخاص، إذ لا توجد حدود فاصلة ونهائية بينهما وإنما يؤثر أحدهما بالآخر ويتأثر به ويتسع ويضيق نطاق تطبيق أحدهما على حساب الآخر بتغير الزمان والمكان، لتأثر الموضوعات التي تحكمها قواعدهما بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل كل دولة. وفروع القانون العام تتصل بفكرة الدولة، إذ تتضمن مجموعة القواعد التي تنظم السلطات العامة في الدولة، ونشاط هذه السلطات، وتحكم العلاقات التي تدخل طرفاً فيها. فالقانون العام بهذا الوصف ينظم العلاقات التي تظهر فيها الدولة بصفتها سلطة عامة ذات سيادة. وينقسم القانون العام بدوره إلى قانون عام خارجي هو القانون الدولي العام، وقانون عام داخلي يشتمل القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون المالي والقانون الجنائي. ويعرف القانون الخاص بأنه مجموعة القواعد التي تحكم علاقات الأفراد بعضهم ببعض وعلاقات الأفراد بالدولة ومؤسساتها ولكن لا على اعتبار الدولة سلطة عامة ذات سيادة وإنما بوصفها فرداً من الأفراد. ومن أهم فروع القانون الخاص، القانون المدني والقانون التجاري، ويعتبر القانون المدني الشريعة العامة التي تنظم نشاط جميع الأفراد أياً كانت مهنتهم وأياً كانت طبيعة العمليات القانونية التي يقومون بها... أما القانون التجاري فلا يتناول بالتنظيم إلا الأعمال التجارية ونشاط التجار في ممارسة تجارتهم. فبينما ينظم القانون المدني في الأصل كافة الروابط بين مختلف الأفراد، يقتصر القانون التجاري على حكم روابط معينة هي الروابط الناشئة عن القيام بالأعمال التجارية وعلى تنظيم نشاط أفراد معينين هم التجار، وبذلك يعتبر القانون التجاري أضيق نطاقاً من القانون المدني من حيث التطبيق. خصائص القانون التجاري: 3- من المعلوم أن القانون المدني باعتباره الشريعة العامة كان يطبق على المعاملات بصورة عامة بغض النظر عن طبيعتها أو صفة القائم بها. ثم تولدت عن البيئة التجارية بمرور الزمن قواعد خاصة بالمعاملات التجارية انفصلت عن القانون المدني وكونت القانون التجاري. فالقانون التجاري وليد البيئة التجارية نشأ وتطور استجابة لحاجات التجارة المتطورة والضرورات العملية التي استلزمت اخضاع فئة معينة من الأشخاص هم التجار وطائفة معينة من الأعمال هي الأعمال التجارية لتنظيم قانوني خاص يتفق ومقتضيات التجارة ومطالبها. هذا التنظيم القانوني الخاص تتميز أنظمته بخصائص معينة تطرح عليه طابعاً خاصاً وتبرر استقلاله عن القانون المدني. وفي مقدمة هذه الخصائص تنشيط الائتمان وتيسير الحصول عليه ودعمه وتبسيط الإجراءات واقتضابها لتمهيد الطريق لإبرام العمليات التجارية وتنفيذها بالسرعة التي تلائم طبيعة التجارة. فالتجارة تقوم على تيسير الائتمان وتدعيمه، لذا تعمد أنظمة القانون التجاري إلى تحقيق ذلك عن طريق زيادة ضمانات الدائن، لأن وجود هذه الضمانات تحمله على منح الائتمان للآخرين، وفي ذات الوقت فإن وجود هذه الضمانات في مصلحة المدين أيضاً، إذ يستطيع الحصول على ائتمان سهل وبشروط ميسرة. ومن أهم مظاهر دعم الائتمان التجاري افتراض التضامن بين المدينين بالتزامات تجارية عند تعددهم دون حاجة لاتفاق خاص على ذلك مما يحقق ضماناً كبيراً للدائن، وزيادة سعر الفائدة القانونية وقسوة قانون الصرف على من يخل بالثقة الواجب توافرها بالورقة التجارية، وتقرير نظام الإفلاس. ويعتبر نظام الإفلاس من أهم مظاهر دعم الائتمان التجاري، فهو طريق للتنفيذ على أموال المدين التاجر الذي يتوقف عن دفع ديونه التجارية، يهدف إلى تنشيط الائتمان ودعم الثقة بالمعاملات التجارية، وذلك بسلسلة من الإجراءات تهدف إلى حماية مصالح الدائنين وصون حقوقهم بتمكينهم من الحجز على ما تبقى من أموال المدين تمهيداً لتصفيتها وتوزيع الناتج من هذه التصفية على الدائنين كل بنسبة دينه. أضف إلى ذلك أن نظام الإفلاس يتميز بالشدة في معاملة التاجر الذي يتوقف عن دفع ديونه التجارية فترفع يده عن إدارة أمواله والتصرف فيها وتسقط عنه بعض الحقوق المدنية والسياسة. هذه الشدة في المعاملة تجعل المدين التاجر حريصاً على سداد ديونه مما يكون له أكبر الأثر في دعم الائتمان التجاري. والخاصية الثانية التي تتميز بها أنظمة القانون التجاري هي تبسيط الإجراءات لتسهيل إبرام العمليات التجارية وتنفيذها بالسرعة التي تلائم طبيعة التجارة على عكس المعاملات المدنية التي تتصف بالبطء وبندرة وقوعها في الحياة العملية أو وقوعها في فترات متباعدة. أما المعاملات التجارية فتتلاحق بكثرة في حياة التاجر، كما أنها ترد - في الغالب - على منقولات معرضة لتقلبات الأسعار أو قابلة للتلف، الأمر الذي ينبغي معه إبرامها بسرعة، فالتاجر يتعاقد بسرعة ودون تردد حتى لو كان التعاقد يتضمن قدراً من المخاطرة. وهكذا تم وضع قواعد خاصة بالقانون التجاري لاختلاف البيئة التجارية عن البيئة المدنية من حيث السرعة في التعامل تهدف إلى تبسيط الإجراءات والابتعاد عن الشكليات لإبرام العمليات التجارية بالسرعة المطلوبة، من هذه القواعد حرية الإثبات في المعاملات التجارية إذ يجوز إثبات التصرف القانوني إذا كان تجارياً بالبينة والقرائن وبكافة طرق الإثبات مهما كانت قيمة التصرف بخلاف الحال في المسائل المدنية التي تقضي قواعدها بوجوب الإثبات الكتابي إذا زادت قيمة التصرف عن مبلغ معين أو كان غير محدد القيمة. ومن هذه القواعد أيضاً تخليص تداول الحقوق الثابتة في الأوراق التجارية من إجراءات الحوالة المدنية، إذ تتداول هذه الحقوق بالطرق التجارية وهي المناولة إن كانت الورقة لحاملها والتظهير إن كانت لأمر، وكذلك اقتضاب مواعيد التنفيذ بالديون الثابتة في الأوراق التجارية والتشدد في منح المدين بدين تجاري مهلة للوفاء، ونفاذ الأحكام الصادرة في المعاملات التجارية نفاذاً معجلاً وتقادم الديون التجارية بمدد قصيرة. ومجمل القول إن النشاط التجاري يقوم على السرعة في التعامل وعلى الائتمان، لذا فإن أنظمة القانون التجاري تتجه إلى إدراك هذين الهدفين وتحقيقهما. وعلى الرغم من هذه الخصائص التي تتميز بها أنظمة القانون التجاري والتي تبرر استقلاله عن القانون المدني إلا أن بعض الفقهاء لم يقتنع بها ونادى بوحدة قواعد القانون الخاص وذلك بدمج القانون التجاري والقانون المدني بحيث يكون هناك قانون واحد يحكم المعاملات المدنية والتجارية على السواء. هذا القول لم تقتنع به غالبية فقهاء القانون التجاري الذين يرون في وحدة القانون الخاص إنكاراً للضرورات العملية التي استلزمت وجود قواعد خاصة تطبق على المعاملات التجارية والتجار تتفق ومقتضيات التجارة ومطالبها. وعلى الرغم من هذه المعارضة فإن الراجح فقهاً هو أن يكون للقانون التجاري وجود ذاتي وكيان مستقل عن القانون المدني. وقد أخذت أغلب الدول بهذا الاتجاه ومنها المملكة الأردنية، إذ أقر المشرع الأردني استقلال القانون التجاري عندما أصدر قانون التجارة والقوانين المكملة له إلى جانب القانون المدني الذي يحكم الأعمال المدنية. وبذلك استقرت قواعد القانون التجاري وتطورت بتطور التجارة وتوسعها بل لم يقتصر الأمر على وجود قوانين تجارية وطنية، وإنما ظهرت قواعد تجارية جديدة تهدف إلى توحيد القواعد التي تحكم التعامل التجاري الدولي. على أن استقلال القانون التجاري عن القانون المدني لا يعني أنهما منفصلان عن بعضهما البعض تمام الانفصال فالصلة وثيقة بينهما، إذ لا توجد حدود فاصلة ونهائية بينهما، وإنما يكمل أحدهما الآخر ويؤثر فيه ويتأثر به بحكم كونهما من فروع القانون الخاص التي تهدف أحكامهما إلى تنظيم العلاقات القانونية بين الأفراد.