الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد الرسول الأمين القائل: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ــ عز وجل ــ وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"(1)، وبعد: 1- ماهية الموضوع: يعد القضاء ملجأ المظلومين وحصن طالبي الحق، كما تعد أحكامه أحد مصادر القاعدة القانونية، وتمثل قدرته على ...
قراءة الكل
الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد الرسول الأمين القائل: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ــ عز وجل ــ وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"(1)، وبعد: 1- ماهية الموضوع: يعد القضاء ملجأ المظلومين وحصن طالبي الحق، كما تعد أحكامه أحد مصادر القاعدة القانونية، وتمثل قدرته على نقل الحكم الشرعي أو القانوني من العمومية والتجريد إلى الواقعية والخصوصية، وهذه قدرة ومهارة لا يملكها غيره، إذ يحرر القاضي الحكم وفق ثقافته الشرعية والقانونية إضافة إلى ثقافته اللغوية والمصطلحية، ولا ننسى حاجة القاضي إلى الفراسة والعلم بالنفس البشرية ونوازعها نحو الخير أو الشر. ولا شك أن العمل القضائي قائم على العلم بالنصوص والاجتهاد المنهجي وكذلك فن معرفة الحق وأهله. ويختص القاضي بدراسة وقائع الدعوى جزائية كانت أم حقوقية (مدنية)، ويفحص الطلبات الأصلية وما يليها من دفوع لأطراف المنازعة، ثم يتأمل الوقائع المنتجة وينـزل النص الشرعي أو القانوني في حكمه على أصل المنازعة هادفاً من وراء ذلك أن ينال المحق حقه والمخطئ جزاءه. 2- أهمية الموضوع: تتجلى أهمية الموضوع فيما يلي: أ. فيما يتعلق بالناحية العلمية (النظرية) فإن اطلاع المعنيين بالأمر ــ وهم القضاة (في مختلف تدرج المحاكم) والمحامون وأطراف المنازعة والرأي العام ــ على هذا العمل العلمي يجعلهم يدركون بدقة طبيعة أعمال القضاة إدراكاً يستمد أصله من الأهداف التي تسعى إليها الدولة في تخصيص سلطة كاملة، مستقلة ومحايدة للتقاضي. ب. فيما يتعلق بالناحية العملية (التطبيقية) فبما أن القاضي يسعى إلى تحقيق العدالة من خلال حسم المنازعة المعروضة أمامه ذلك أن الحكم الذي يصدره هو الذي يعبّر عن هذا المسعى خير تعبير. ومنطوق الحكم هو جوهر الحكم ولاسيما تسبيبه. 3- مشكلة البحث: تتمثل المشكلة الكبرى في هذا البحث بالفقرة الأولى المدرجة فيما يلي، أما بقية الفقرات فتعرض مشكلات أخرى: أ. إن تسبيب الحكم القضائي مسألة جوهرية، فإذا كان التسبيب ضعيفاً أو ناقصاً اهتزّ الحكم القضائي برمته، الأمر الذي يتطلب إلمام القاضي بما يمكن تسميته بثقافة تسبيب الحكم القضائي. ب. ثمة مشكلة في العمل القضائي متمثلة في عدم تمييز بعض القضاة بين الأسباب والتسبيب، فالسبب في الدعوى هو المحرك لرفعها، أما التسبيب فهو بيان الدوافع المنطقية والمبررات الواقعية والحجج الشرعية التي أدت إلى قضاء الحكم، وبعبارة أخرى فإن سبب معاقبة الجاني أو المذنب: الخطأ الجرمي الذي اقترفه، أو الدين الذي طالب به المدعي، أما تسبيب الحكم فهو الحجج التي يراها القاضي كافية للحكم، فمضمون التسبيب يتمثل في بيان الأدلة الشرعية أو القانونية والواقعية التي قادت المحكمة إلى ما انتهت إليه من رأي في الحكم الصادر من قبلها، وتبرير القاضي اقتناعه وصواب حكمه. ج. يستخدم القضاة لفظ " قناعة المحكمة" في صياغتهم للأحكام، وهو لفظ غير صحيح في هذا المقام، إذ إن الصحيح القول "اقتناع المحكمة" فالقناعة فضيلة أخلاقية جليلة من فضائل الإسلام وليس مكانها هنا، أما الاقتناع فهو عملية ذهنية تعبّر عن استيقان القاضي بالحكم الذي يصدره. 4- نطاق وحدود البحث: يتحدد نطاق البحث بالمعطيات التالية: أ. القضاء هو المحور الرئيس الذي يدور حوله هذا البحث، وحكمه: مادته، ومقومات صياغته: جوهره. ب. في مجال تحديد المقصود بالحكم القضائي في هذا البحث فإن الأمر ينصرف إلى كل قرار قضائي يحسم منازعة وفق أحكام الشرع أو القانون. ج. إذ تحدد على النحو السابق إطار هذه البحث فثمة عدد من الموضوعات تفرض نفسها بقوة، وذلك بغية التركيز عليها، باعتبارها وثيقة الصلة بهذا البحث، ولعل أهمها طبيعة الأحكام القضائية، ونوعية العمل القضائي، واقتناع القاضي بحكمه، وسرد تسبيبه لهذا الحكم، وأخيراً بيان الصياغة التي تتسم بالجودة النوعية والتي ينبغي أن تكتب بها الأحكام لكي تمثل مهابة السلطة القضائية وسموها وعدالتها. 5- أهداف البحث: يسعى هذا البحث إلى تحقيق أهداف كبرى، أبرزها ما يلي: أ. تحديد شخصية الحكم القضائي تحديداً يميزه بخصائصه الذاتية. ب. الخوض في أسس العمل القضائي لمعرفة حدود السلطة القضائية ومقوماتها المهنية وأساليب نموها وازدهارها. ج. إلقاء الأضواء إلى حد الاكتفاء على مسألة الاقتناع القضائي، وما هي آليات حصوله. د. تفصيل مسألة تسبيب الحكم القضائي لكي ندرك جدواه ووظيفته. (1) الإمام مسلم بن حجاج النيسابوري (ت 261هـ): صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، حديث رقم (1827).