من المسلم به أنه يتعين على السلطة الإدارية أن تخضع للقانون، لكي يصبح نظام الحكم ديمقراطياً، أي أن تحترم الإدارة مبدأ المشروعية أو مبدأ سيادة القانون.إذ أن السلطة الإدارية في الدولة المعاصرة تقوم بأنشطة هامة بقصد تحقيق المصلحة العامة، تتجلى أساساً في إدارة المرافق العامة التي تهدف إلى إشباع الحاجات العامة من جهة، وفي المحافظة على...
قراءة الكل
من المسلم به أنه يتعين على السلطة الإدارية أن تخضع للقانون، لكي يصبح نظام الحكم ديمقراطياً، أي أن تحترم الإدارة مبدأ المشروعية أو مبدأ سيادة القانون.إذ أن السلطة الإدارية في الدولة المعاصرة تقوم بأنشطة هامة بقصد تحقيق المصلحة العامة، تتجلى أساساً في إدارة المرافق العامة التي تهدف إلى إشباع الحاجات العامة من جهة، وفي المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة، الأمن العام، والصحة العامة والسكينة العامة من جهة أخرى.وتمارس السلطة الإدارية عدة أنشطة بواسطة ما تملكه من وسائل تتمثل في الأعمال القانونية التي تصدرها لإدارة هذه الأنشطة، وهي القرارات الإدارية من ناحية، والعقود الإدارية من ناحية أخرى.وقيام الإدارة بإصدار القرارات الإدارية يعد أحد الامتيازات الهامة للإدارة، بجانب ما تتمتع به من امتيازات أخرى تبرز في السلطة التقديرية، والتنفيذ المباشر ونزع الملكية للمنفعة العامة.ولذلك، فإنه يتعين على ألإدارة أن تقوم بإصدار هذه القرارات في الشكل الذي حدده لها القانون، ومن أجل تحقيق الأهداف المعنية لها، لكي تكون هذه القرارات صحيحة ومشروعة.وهذا يعني ضرورة احترام الإدارة لمبدأ المشروعية أو مبدأ سيادة القانون. إذ تعتبر القرارات غير مشروعة عند صدورها خلافاً للقواعد القانونية، سواء من الناحية الشكلية أو الموضوعية.ولهذا، استلزم الأمر إيجاد رقابة قضائية على أعمال السلطة الإدارية للتأكد من صدورها وفقاً لمبدأ المشروعية.وتنقسم الدول المعاصرة في تنظيمها لهذه الرقابة إلى نظامين قانونيين رئيسيين، النظام الأنجلو سكسوني، والنظام اللاتيني. إذ يتميز الأول بوحدة القضاء ووحدة القانون المطبق بالنسبة للإدارة والأفراد، في حين يوجد ازدواج قضائي وازدواج قانوني في النظام الثاني، أي أنه يوجد قضاء إداري وقانون إداري بجوار القضاء العادي والقانون الخاص.وكان لإنشاء مجلس الدولة الفرنسي في بداية القرن التاسع عشر الفضل في خلق قضاء إداري مستقل عن القضاء العادي، متخصص في الفصل في المنازعات الإدارية. وتبعت فرنسا في إنشاء قضاء إداري مستقل عدد من دول العالم، منها بلجيكا، ومصر ولبنان.فإذا كان القضاء الإداري قد قام بدور كبير في تكوين وإرساء قواعد القانون الإداري المستقلة عن قواعد القانون المدني، حتى أصبح يتميز بأنه قانون قضائي، فإن الدور الأكثر أهمية وخطورة يبرز في رقابته على أعمال وتصرفات الإدارة، والتحقق من احترام مبدأ المشروعية بواسطة إلغاء القرارات الإدارية المخالفة للقانون، والحكم بالتعويض المناسب للأفراد الذين أصابهم الضرر نتيجة لتطبيقها.وغاية ذلك هي ضمان احترام حقوق وحريات الأفراد المقررة في الدستور والقوانين، وحمايتها من أي تعسف أو إساءة لاستخدام السلطة من جانب الإدارة.وتتصف رقابة القضاء الإداري على أعمال الإداري بالفاعلية والحسم، نظراً لما يملكه من سلطة إلغاء القرارات الإدارية المخالفة لمبدأ المشروعية.وعلى هذا الأساس فإن دراسة الدكتور عبد الغني بسيوني عبد الله في هذا المؤلف ستنقسم إلى أربعة أقسام أساسية: القسم الأول: مبدأ المشروعية وتنظيم القضاء الإداري، القسم الثاني: نطاق اختصاص القضاء الإداري اللبناني، القسم الثالث: دعوى الإلغاء أو الإبطال، القسم الرابع: دعوى القضاء الشامل أو الكامل.