ما كنت أعتقد أن هذه المشاهد ذات الدلالات الإجتماعية والفكرية والعاكسة لأحوال وأفكار ومعتقدات وعادات الإنسان المصري الفقير في قرى الصعيد الجنوبية. تلك الموروثات المتداخلة الممتزجة القادمة من الفرعونية والقبطية والتي صبت في مصر الإسلامية محتفظة بالقديم ليتخذ صورته على ضوء الدين واللغة الجديدين, لنحصل على شخصية بالغة التعقيد شديدة ...
قراءة الكل
ما كنت أعتقد أن هذه المشاهد ذات الدلالات الإجتماعية والفكرية والعاكسة لأحوال وأفكار ومعتقدات وعادات الإنسان المصري الفقير في قرى الصعيد الجنوبية. تلك الموروثات المتداخلة الممتزجة القادمة من الفرعونية والقبطية والتي صبت في مصر الإسلامية محتفظة بالقديم ليتخذ صورته على ضوء الدين واللغة الجديدين, لنحصل على شخصية بالغة التعقيد شديدة الغنى, حضارية على الرغم من البساطة التي يتخذها المظهر الذي لا يشي ببعد الجذور وعمق الأغوار وهول مسافات المسيرة.ما كنت أعتقد أو أتنبأ بحجم الإستجابة الجماهيرية لتلك المشاهد, والإرتباط الحميم بما كتبت, وذلك الإنتظار الأسبوعي لملحق جريدة الأهرام المعنون (أيامنا الحلوة) الذي أنشر فيه صباح كل يوم جمعة هذه القطع المجتزأة من (أيامي الحلوة).لم أفكر يوما في كتابة (سيرتي الذاتية) فلست (نابليون) أو (هتلر) أو (بابلو نيرودا) فأنا لا أتعدى أن أكون مواطنا بسيطا عاش فقيرا في قرية فقيرة اسمها (أبنود) ثم انتقلت إلى مدينة (قنا) لأعيش في كنف والدي بعد طول افتراق لتختلف الحياة قليلا عما كانت, وما عدا ذلك هو رحلتي الخاصة.ولأني خرجت من القرية وكأني عصارتها, فقد حملت تاريخها وباطنها ووجهها في الضمير -دون قصد- وسرت في الحياة, فإنني في هذه المشاهد التي يحويها هذا الكتاب والتي سأحاول استكمالها في جزء آخر, إنما أحاول القبض على جوهر الروح ولب الفكرة التي تحكم حياة الإنسان المصري الأصلي الذي لم يفقد الصفات القديمة للإنسان النيلي القديم بعد.