يسعدني أن أضع بين يدي القارىء الكريم هذا الكتاب مساهمة في الدراسة الفقهية لنصوصنا التشريعية. التي لا يخفى ما تعانيه من نقص كبير في الشرح والتعليق. وما يعوزها من بحث ودراسة، يبرزان هويتها، ويساعدان على تأصيلها وربطها بالواقع الاجتماعي المتطور.إن المرحلة التي نقطعها الآن من مسيرة الحياة الطويلة، دقيقة وخطيرة في آن واحد. إنها مرح...
قراءة الكل
يسعدني أن أضع بين يدي القارىء الكريم هذا الكتاب مساهمة في الدراسة الفقهية لنصوصنا التشريعية. التي لا يخفى ما تعانيه من نقص كبير في الشرح والتعليق. وما يعوزها من بحث ودراسة، يبرزان هويتها، ويساعدان على تأصيلها وربطها بالواقع الاجتماعي المتطور.إن المرحلة التي نقطعها الآن من مسيرة الحياة الطويلة، دقيقة وخطيرة في آن واحد. إنها مرحلة تحول علاقات الفرد بالمجتمع، وتطوير لحقوق وواجبات كل منهما إزاء الآخر.لقد كان للفرد - حكما أو محكوما خادما أو مخدوما. رجلا أو امرأة - تصور خاص لطبيعة علاقاته بالآخرين، ولنموذج التعايش السليم العادل، واليوم تغير هذا التصور، أو ذلك ما يجب أن يكون .وإذا كانت مرحلة أي تحول في فلسفة التعايش الاجتماعي ، لا تخلو من عثرات سير، وزلات أقدام، وهو ما تعاني منه اليوم كل الشعوب التي لم يستقر بها المسار بعد - فإن تفادي تلك العثرات والزلات، لا يتأتى إلا إذا شمل التحول في انطلاقه، وبشكل متواز، جميع علاقات الفرد بالمجتمع، وكافة مظاهر تعايشه مع غيره، فلا تفاوت بين سياسة وتجارة، ولافرق بين إدارة وأحوال شخصية، وغير هذه وتلك من عشرات مظاهر التعامل اليومي الذي يجد فيه الفرد نفسه في علاقة مع الاخرين.إن هذه الانطلاقة الشاملة في التحول والتطور، هي وحدها القادرة على جعل ممارسة الحرية مقرونة بالمسؤولية والسعي إلى اكتساب الحق والدفاع عنه مرتبطا بأداء الواجب.وقانون المسطرة الجنائية في مقدمة القوانين المنظمة للتوازن بين حقوق الفرد والجماعة. وهو الواجهة التطبيقية لكثير من الحقوق الأساسية المنصوص عليها شكلا في الدستور، ولذلك فإن أي رغبة في تطوير أساليب التعامل بين أفراد المجتمع، لا يمكنها أن تهمل دور هذا القانون ومساهمته الهامة في تحقيق الهدف المتوخى، الأمر الذي يؤكد - إن كان الموضوع في حاجة إلى التأكيد - ضرورة السير بنصوصه جنبا إلى جنب مع باقي القوانين المساهمة في تنظيم الجماعة.ونأمل أن يتحقق هذا في قانون المسطرة الجنائية الموعود به بظهير 1974/9/28 : هذا، وقد حاولت في هذه الدراسة أن أشير إلى أهم الأحكام القضائية، ما نشر منها وما لم ينشر ، على الخصوص قرارات المجلس الأعلى، وإذا كنت قد ناقشت أغلبها، فإن ذلك لم يكن لمجرد الرغبة في المناقشة وإنما كان هدفي شحذ الهمم، لانماء ثروتنا الفقهية عن طريق المجادلة المنطقية بالحسنى، سواء بالنسبة لتفسير النصوص، أو لما ينبغي أن تكون عليه صياغة هذه النصوص، فالرأي قد يكون سليما، وهو في حالة الخطأ، ادعى إلى التقويم، واحفز إلى بيان وجهة الخطأ فيه، وذلك مانرجو أن يكون يتحقق…