نبذة النيل والفرات:يقوم القضاء في النظم القانونية الحديثة بدور بالغ الأهمية في تفسير نصوص القانون وجعلها صالحة للتطبيق على ما تقدمه الحياة في المجتمع من وقائع قد تكون في بعض الأحيان بالغة التعقيد والتركيب وعلى ما يثور بين الناس من منازعات قد تكون متشعبة العناصر عسيرة الحل.ويكشف القضاء بذلك عن قصد المشترع من نصوصه، وهو في ذلك يحر...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:يقوم القضاء في النظم القانونية الحديثة بدور بالغ الأهمية في تفسير نصوص القانون وجعلها صالحة للتطبيق على ما تقدمه الحياة في المجتمع من وقائع قد تكون في بعض الأحيان بالغة التعقيد والتركيب وعلى ما يثور بين الناس من منازعات قد تكون متشعبة العناصر عسيرة الحل.ويكشف القضاء بذلك عن قصد المشترع من نصوصه، وهو في ذلك يحرص على أن يتكشف قصده أنه لو كان مطلعاً على هذا الوقائع ناظراً في هذه المنازعات محيطاً بظروف العصر الذي طرأت فيه ونفسية من صدرت عنهم.والقضاء بذلك يحيل القانون من مجموعة من الألفاظ الصامتة إلى كائن حي متحرك يتدخل في علاقات الناس لينظمها في منازعاتهم كي يعثر لها على الحل الذي يتفق مع مصلحة المجتمع ويرضي العدالة، وهو في الوقت ذاته يدخل التعديل العميق على مفهوم النصوص بما يتفق مع التطور الذي يطرأ على ظروف الحياة في المجتمع : فالمشترع قد وضع هذه النصوص في ضوء ظروف إجتماعية معينة واجتهد في أن تجيء أحكامها متفقة مع هذه الظروف، ولكن المجتمع في تطور مستمر، وقد يطرأ التغيير الجوهري على هذه الظروف الإجتماعية التي صاحبت وضع النص، وعندئذٍ تبدو أهمية دور القضاء، إذ عليه أن يفسر النصوص في ضوء الظروف الجديدة فيفترض أن واضعها كان مطلعاً على هذه الظروف ويتساءل عن الأحكام التي كان يضمنها إياها كي تجيء ملائمة لها.ودور القضاء له أثره الملموس على المشترع والفقيه: فتطبيقه للنص القانوني قد يكشف عن عيوب أو مواضع نقص فيه فيكون ذلك موجهاً المشترع إلى إصلاح تلك العيوب أو إستكمال ذلك النقص عن طريق التعديل التشريعي الذي قد يكون جوهرياً، أما فضل القضاء على الفقه ففي غنى عن البيان: فالفقيه يلتمس في إجتهادات القضاء الصورة العملية الملموسة لتطبيق القانون ويستمد من قراراته الأمثلة التي توضح النظريات الفقهية المجردة، وبقدر ما يكون المؤلف الفقهي غنياً بالقرارات القضائية بقدر ما تزيد فائدته ويعم نفعه ويكتسب طابعاً عملياً يجعله أقرب إلى الأذهان وألصق بواقع الحياة في المجتمع.ولكي يتاح للقضاء أداء هذا الدور يجب أن تنشر إجتهاداته على جمهور المشتغلين بالقانون ويتاح لهم الإطلاع عليها ودراستها والإستفادة منها، ويقتضي ذلك أن تعد مجموعات قضائية - منسقة وفق الأسلوب العلمي الحديث - تنشر فيها هذه الإجتهادات.وقد اضطلع بهذه المهمة في لبنان الأستاذ سمير عاليه حينما نشر الجزء الأول من (مجموعة إجتهادات محكمة التمييز الجزائية) - الكتاب الذي بين أيدينا - وقد كانت حسنة الإعداد، جيدة الترتيب، منسقة العرض، وهي على هذا النحو تقدم إلى رجال القانون في لبنان - بل وفي العالم العربي - الإجتهادات القضائية الجزائية اللبنانية على نحو ميسر فتجنبهم مشقة التنقيب عنها في ملفات الدعاوى، وتقدمها إليهم في صورة واضحة محكمة فتسهل لهم فهمها، وتعرضها عليهم مرتبة أبجدياً مما يكن لهم من العثور عليها في يسر.وقد تضمنت المجموعة على إجتهادات محكمة التمييز الجزائية ابتداءً من أول عام 1971 (التاريخ التالي لصدور الموسوعات الجزائية في 20 عاماً 1950- 1970) وحتى نهاية عام 1978، بحيث يضم الأول إجتهادات المحكمة (غرفتها الخامسة)، ويضم الثاني إجتهادات الغرفة السادسة، ويضم الثالث عامي 1972 و 1973، والرابع أعوام 1974- 1978.