إذا كانت إشكالية الإسلام والحداثة قد انطلقت تاريخيًا، في عالمنا العربي، في سنوات الثمانين من القرن العشرين، وامتدت مع سنوات التسعين، فإن إشكالية الإسلام وما بعد الحداثة قد تأخرت كثيرًا مقارنة بالحقل الثقافي الغربي الذي عرف ما بعد الحداثة في سنوات الستين من القرن الماضي في ميادين معرفية شتى. أما في الحقل الثقافي العربي، فقد ظهرت ...
قراءة الكل
إذا كانت إشكالية الإسلام والحداثة قد انطلقت تاريخيًا، في عالمنا العربي، في سنوات الثمانين من القرن العشرين، وامتدت مع سنوات التسعين، فإن إشكالية الإسلام وما بعد الحداثة قد تأخرت كثيرًا مقارنة بالحقل الثقافي الغربي الذي عرف ما بعد الحداثة في سنوات الستين من القرن الماضي في ميادين معرفية شتى. أما في الحقل الثقافي العربي، فقد ظهرت الكتابات الأولى التي تتناول إشكالية الإسلام وما بعد الحداثة في أواخر التسعينيات وبدايات الألفية الثالثة بوتيرة أقل مقارنة بالكتابات التي تناولت علاقة الإسلام بالحداثة وموقفه منها. وربما يعود هذا إلى أن المسلمين ما يزالون إلى يومنا هذا في صراع مع الحداثة المادية والمعنوية، ولم ينتهوا بعد من أسئلتها المؤرقة بعد. بل يمكن القول - بكل صراحة - بأن الإنسان المسلم لم يعش بعد الحداثة بمفهومها العلمي والثقافي والنظري والمعنوي والمنهجي والفلسفي، وإن كان قد عايشها تقنية وتحديثا واستهلاكا. ومن هنا، يبدو أن الاهتمام بهذه الإشكالية متأخر جدا، حتى الكتابات التي ترصد هذه الظاهرة ماتزال معدودة و قليلة جدا. وفي هذا السياق، يقول المفكر السعودي "زكي الميلاد": "حتى هذه اللحظة لم تقترب الكتابات الإسلامية كثيرا صوب فكرة ما بعد الحداثة التي شغلت وما زالت تشغل اهتمامات الفكر الغربي، وليست هناك كتابات في المجال العربي بالذات، تلفت النظر بعناية إلى العلاقة بين الإسلام وهذه الفكرة، وما يوجد في هذا الشأن مجرد إشارات عابرة لا تفتح أفقا، ولا تحرك ساكنا، ولا تثير جدلا، ولا تكون رؤية. وكان من اللافت تجاهل هذه القضية، حتى في بعض الكتابات التي تناولت العلاقة بين الإسلام والحداثة، فلم يأت على ذكرها قط الدكتور مصطفى الشريف في كتابه (الإسلام والحداثة)، وتغافلها الدكتور عبد المجيد الشرفي في كتابه (الإسلام والحداثة)، وجاء على ذكرها مرة واحدة في إشارة عابرة لا تكاد تذكر، وجاءت في الأسطر الأخيرة من خاتمة الكتاب لمجرد التنبيه لا غير. هذا يعني أن هذه القضية ما زالت خارج النقاش الفكري في المجال العربي، لكنها مرشحة مع مرور الوقت لأن تصبح في قلب وصميم هذا النقاش، وذلك لأن الأنظار بدأت تلتفت إليها، ولأن النقاشات العابرة حول العالم تجاه هذه القضية سوف تلقي بظلالها علينا، وعندئذ سوف نتعرف على حوافز بإمكانها أن تعلي من شأن هذه الفكرة، وبشكل يفوق فكرة الحداثة نفسها".