إن السمة الحاسمة التي تكشف عن أهم ما يتميز به النقد الأدبي المعاصر، في ممارسته العالمية، هي أنه نقد لا يكف عن مساءلة ذاته في فعل مساءلة موضوعه، ولا تتناقض حدة وعيه بحضوره النوعي بل تتزايد يوماً بعد يوم، خصوصاً من حيث ما يقوم به هذا النقد من مراجعة مستمرة لمفاهيمه وتصوراته، ومحاسبة متصلة لإجراءاته وأدواته، تعميماً لمجرى ممارسته، ...
قراءة الكل
إن السمة الحاسمة التي تكشف عن أهم ما يتميز به النقد الأدبي المعاصر، في ممارسته العالمية، هي أنه نقد لا يكف عن مساءلة ذاته في فعل مساءلة موضوعه، ولا تتناقض حدة وعيه بحضوره النوعي بل تتزايد يوماً بعد يوم، خصوصاً من حيث ما يقوم به هذا النقد من مراجعة مستمرة لمفاهيمه وتصوراته، ومحاسبة متصلة لإجراءاته وأدواته، تعميماً لمجرى ممارسته، أو تطويراً لتقنياتها، أو بحثاً عن أفق مغاير يعد بالمزيد من التقدم. ونتيجة ذلك كثرة ما نقرأه من خطاب النقد عن النقد، ليس من منطلق المساءلة الذاتية التي يتحول بها النقد للنقد أو نقد شارح، تتزايد كتاباته بالقدر الذي يتصاعد به خطاب النظرية.في مقاربة لهذا الموضوع يعالج الباحث في كتابه هذا جانب من الجوانب العديدة للنقد والذي يتصل بالنظريات المؤثرة في ثقافتنا الأدبية والنقدية. والتدرّج في المعالجة الذي انتهجه الباحث والذي يتضمن نوعاً من التعاقب التاريخي هو مقصود في تتابع فصول الكتاب من هذا المنظور. ويقترن ذلك بالتركيز على النظريات الدالة في تعاقب تأثيرها، صعوداً إلى التنظير الشارح الذي يراجع النظرية من حيث هي نظرية، كاشفاً عن أهميتها ودلالتها وصحوتها، فضلاً عن علاقتها بالتاريخ الذي يتبادل وإياها معنى الذات والموضوع ونقطة الانطلاق، في مقاربة الموضوعات، تأويلية بالمعنى الذي يؤكد أن الفهم تملكٌ للمفهوم، وأسرع طريق إلى وضعه موضع المساءلة التي تتقدم بالمعرفة وتفتح أفقاً جديداً من الممارسة.أما الإطار المرجعي للتحليل التأويلي والمساءلة القيمية فهو الوعي النقدي للعقل الذي يضع نفسه قبل غيره موضع المساءلة، ولا يتردد في مقاومة ما تنطوي عليه النظرية من دعاوى ايديولوجية، خصوصاً حين تزعم أنها قادرة على تغطية كل مجال وتفسير طل ظاهرة. وبقدر ما يربط هذا العقل نفسه بأحلام المجتمع المدني، في واقعنا العربي المشحون بتناقضاته وتحولاته، ومن ثم برغبة الإسهام في الانتقال بهذا الواقع من ذهنية الاتباع إلى ذهنية الابتداع، فإن هذا العقل لا يكف عن تأكيد صفته المدنية بوصفه عقلاً يواجه كل أنواع الأصولية، ويضع نفسه موضع المناقضة للنظريات التي تغترب بالنقد عن واقعه، أو تغترب بالواقع عن وعيه النقدي.