تجري أحداث هذه الرواية على تخوم "إمبراطورية خيالية"، لم يحدد مكانها، وإن أقامها الغرب دافعاً بشعبها من (البرابرة)- وهو مسمى غربي، يعنى الهمج غير المتمدينين- إلى الجبال، خلال فترة انتشرت فيها حكايات وصلت من العاصمة، عن حالة قلق بين البرابرة، بدأت فيها طرق التجارة الآمنة تتعرض للهجوم والسلب، وتزايدت معدلات سرقات المؤن. كما سرت شائ...
قراءة الكل
تجري أحداث هذه الرواية على تخوم "إمبراطورية خيالية"، لم يحدد مكانها، وإن أقامها الغرب دافعاً بشعبها من (البرابرة)- وهو مسمى غربي، يعنى الهمج غير المتمدينين- إلى الجبال، خلال فترة انتشرت فيها حكايات وصلت من العاصمة، عن حالة قلق بين البرابرة، بدأت فيها طرق التجارة الآمنة تتعرض للهجوم والسلب، وتزايدت معدلات سرقات المؤن. كما سرت شائعات أن القبائل البربرية تتسلح، وأن على الإمبراطورية أن تتخذ إجراءات احتياطية، لأن الحرب لا بد قائمة.يروى الرواية بضمير المتكلم، راو (غير محدد) الاسم، وإن توارى كويتزى وراءه في أوقات كثيرة. وهو يعرف نفسه، بقوله "أنا قاض في الريف. وموظف مسؤول في خدمة الإمبراطورية.. أمضى أيامى في هذه الحدود الكسولة.. أنتظر تقاعدي..هذا القاضي هو شخصية (المحورية) في الرواية، فهى العين التي ترى، واللسان الذي يعقب، والعقل الذي يحلل، ولعل اختياره كعضو من (داخل) النظام الحاكم كان موقفاً؛ لأنه وضع يتيح له رؤية ما يجرى بأكبر قدر من الحقيقة!وإذا كان (حلمه) هو مجرد أن يعيش حياة (هادئة) علي تخوم الإمبراطورية، فإن الأحداث قد أجبرته علي الدخول في حمأتها، والانصهار في أتونها، ليقوم (برحلة) خاصة إلي عالم البرابرة (المجهول)، مرتين: الأولى (داخلية) سرية، والثانية (خارجية) معلنة، ليقع في المحظور ويحق عليه العقاب!كانت شخصية القاضي تتحول تدريجياً دون أن يدرى. وانظر إلي التحول الذى حدث له عند تغيير مفرزة جنود، أتموا مدة تجنيدهم بمجموعة جديدة، جاءت تحت قيادة قائد شاب، كان قد سمع بعض حكايات عن العجوز، فاراد أن يتحسس أفكاره، حين سأله "ما الذي يستفز مشاعر البرابرة؟". كان المفروض أن يتنبه العجوز للفخ، وأن يكون حذراً، ويتملص من الإجابة الصريحة المباشرة، ولكنه وجد نفسه مندفعاً إلي الهجوم، أنهم "يريدون نهاية لانتشار المستوطنات عبر أراضيهم، ويريدون استعادة أراضيهم. واخيراً، يريدون التنقل بحرية تامة مع قطعانهم من مرعى إلي مرعى، كما كانوا من قبل"، وكأننا إزاء نموذج آخر من "فلسطين" المحتلة. وسرعان ما بلغت ثورة القاضي ذروتها، وهو يقول متهوراً "أرغب بصدق في أن ينهض أولئك البرابرة، ويلقوننا درساً، حتى نتعلم أن نحترمهم". ثم، وكمن يستقرئ الغيب، يستطرد قائلاً: إنهم لا يشكون أنه في يوم ما سنحزم عرباتنا ونرحل من حيث أتينا".حسين عيد