تمد الحرب الأهلية الكامنة أو المتفجرة التي تعيشها المجتمعات العربية جذورها في تناقضات المشروع التاريخي الذي تبلور منذ النهضة، وهو مشروع الحداثة والتحديث، مثل ما تمدها في إفلاس استراتيجية التنمية الوطنية في إطار الهيمنة العالمية، وفي السياسات الثقافية المتخبطة التي اتبعتها النخب الحاكمة تجاه مسائل الهوية الأساسية، من لغة وثقافة و...
قراءة الكل
تمد الحرب الأهلية الكامنة أو المتفجرة التي تعيشها المجتمعات العربية جذورها في تناقضات المشروع التاريخي الذي تبلور منذ النهضة، وهو مشروع الحداثة والتحديث، مثل ما تمدها في إفلاس استراتيجية التنمية الوطنية في إطار الهيمنة العالمية، وفي السياسات الثقافية المتخبطة التي اتبعتها النخب الحاكمة تجاه مسائل الهوية الأساسية، من لغة وثقافة وتراث ودين. لكن النسغ الذي تغذت ولا تزال تتغذى منه هو من دون شك بنية الدولة والسلطة الوطنية أو ما ينبغي أن نطلق عليه اسم مشروع المواطنية المجهضة أو شبه المواطنية التي عملت على تحقيقها أو حققتها.وقد صدر هذا الكتاب استجابة لرغبة العديد من الأصدقاء الذين وجدوا من المناسب، والمفيد، في هذه الحقبة التي تتصارع فيها الآراء وتختلط كما لم يحصل من قبل، والتي تتوقف على نتائج المناظرة الفكرية والسياسية فيها اتجاهات التغيير الحتمي ومستقبله، جمع هذه الأحاديث في كتاب واحد يسهل على القراء الوصول إليها، وتكوين رأي واضح في وجهة النظر التي تدافع عنها، في العديد من المشكلات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تشكل نقاط الصراع الرئيسة في مجتمعاتنا في الوقت الراهن.وبالرغم من أن هذه الحوارات تتقاطع في أكثر من مكان مع الأبحاث والأعمال النظرية، إلا أنها تشكل مادة قائمة ذاتها. وسوف يجد فيها القارئ تحليلات ترد على التساؤلات الحية أكثر مما تطمح إلى بلورة الإشكاليات النظرية، ومن هذه الناحية فهي تلقي الكثير من الأضواء على الأبحاث النظرية، وإلى حد كبير تكملها. أما بالنسبة للقارئ غير المتخصص في العلوم الاجتماعية، فهذا النوع من الحوارات يشكل في نظري أبسط وسيلة للتعرف على المواقف المتباينة والنفاذ مباشرة إلى قلب المناقشة الفكرية والسياسية الراهنة، وفهم الراهانات الكبرى التي تنطوي عليها.