إبراهيم طوقان شاعر إذا قرأت شعره تجلت لك نفسه على حقيقتها، لا يحجبها عنك حجاب، ذلك أنه كان ينظر نظراً دقيقاً في جوانب تلك النفس، ثم يصور ما يعتلج فيها من عواطف وخلجات، كأصدق ما يكون التصوير، ومما كان يعينه على البراعة والصدق في التعبير، وعلم غزير بفنون الكلام وأساليبه، وهذا العلم كان نتيجة لإطلاعه الواسع على المآثر الأدبية الرفي...
قراءة الكل
إبراهيم طوقان شاعر إذا قرأت شعره تجلت لك نفسه على حقيقتها، لا يحجبها عنك حجاب، ذلك أنه كان ينظر نظراً دقيقاً في جوانب تلك النفس، ثم يصور ما يعتلج فيها من عواطف وخلجات، كأصدق ما يكون التصوير، ومما كان يعينه على البراعة والصدق في التعبير، وعلم غزير بفنون الكلام وأساليبه، وهذا العلم كان نتيجة لإطلاعه الواسع على المآثر الأدبية الرفيعة، من قديمة وحديثة، إلى جانب القرآن الكريم والحديث الشريف.وإذا راحعت شعره يمكنك أن تقسمه إلى ثلاثة أقسام: الغزليات، والوطنيات، والموضوعيات، ,هذه الأخيرة تمتاز بعمق الفكرة، ودقة التصوير، وقد حلق فيها إلى آفاق الشعر العالي، هنالك "الشهيد" و"الفدائي" و"الحبشي الذبيح" وغيرها. ولعل واسطة العقد في موضوعياته، قصيدة "مصر بلبل" وهي فتح جديد في القصة الشعرية، نلمس فيها تأثر إبراهيم بالأدب الغربي دون أن يفقد مميزات خياله الخاص، وتعبيراته الشعرية الخاصة.وفي قصيدة "الشهيد"، ينقلنا إبراهيم بدقة وصفه، وروعة تصويره إلى ما يثور في نفس الشهيد من عواطف، واستقتال في سبيل الواجب الأسمى، لا يبتغي من وراء ذلك ذيوع اسم ولا اكتساب صيت، وإنما هو عنصر الفداء، وجوهر الكرم، صيغت منهما نفس الشهيد، فهان عندها الموت في سبيل الله والوطن.ومن موضوعياته الرائعة قصيدة "الحبشي الذبيح" وهي صورة حية ناطقة، يرسم فيها إبراهيم حالة ذلك "الديك الحبشي" الأليمة حين يذبح ويأخذ يصفق بجناحيه، ويجري من هنا وهناك، مزور الخطى، كأنما هو يلحق بالحياة التي استلبت منه، ولقد أوحى إليه بهذا الموضوع العنيف، وقوفه يوماً برجل على جانب الطريق في بيروت يذبح ديوكاً حبشية يعدها لرأس السنة. وإذا بالنفس الشاعرة يروعها أن لا يقوم السرور إلا على حساب الألم، وإذا بها تفيض بأقوى الشعر التصويري الحي.ونلتفت الآن إلى إبراهيم شاعر الوطن، الذي سجل آلام فلسطين وآمالها خلال الإنتداب الإنكيزي، كما لم يسجله شاعر فلسطيني من قبل.وأما بيع الأرض، فلم يزل إبراهيم يصور لقومه الخطر الذي ينتظر البلاد من وراء البيع، ولم يزل يفتح عيونهم على الشر الذي عم واستحكم من جراء ذلك: أعداؤنا منذ أن كانوا صيارفة ونحن منذ هبطنا الأرض زراع، يا بائع الأرض لم تحفل بعاقبة ولا تعلمت أن الخصم خداع.. لقد جنيت على الأحفاد والهفي! وهم عبيد.. وخدام.. وأتباع.. وغرك الذهب اللماع تحرزه..".وصفحات الكتاب الذي بين يدينا تأخذك في رحلة في عالم إبراهيم طوقان الشاعر لتتجلى للقارئ إبداعاته الشعرية وفيه أيضاً دراسة متخصصة للدكتور زكي المحاسني وأيضاً مقدمة بقلم أحد طوقان، بأخرى بقلم الشاعرة فدوى طوقان.