ولهذا نفهم لماذا استحق الأمر الإلهي القاطع: "اقرأ!" جواباً قاطعاً أيضاً حتى أنه يبدو تجديفاً في حق الربوبية من صاحب الرسالة في عبارة: "ما أنا بقارئ!" التي فسرت كجهل من الرسول بسر القراءة، في حين يجب تأويلها كما يجب أن تؤل، أي التنصّل من الأمر خوفاً من الحقيقة المستخفية وراء الأمر، فزعاً من قدر النبوة المتخفي خلف ستور القراءة. وه...
قراءة الكل
ولهذا نفهم لماذا استحق الأمر الإلهي القاطع: "اقرأ!" جواباً قاطعاً أيضاً حتى أنه يبدو تجديفاً في حق الربوبية من صاحب الرسالة في عبارة: "ما أنا بقارئ!" التي فسرت كجهل من الرسول بسر القراءة، في حين يجب تأويلها كما يجب أن تؤل، أي التنصّل من الأمر خوفاً من الحقيقة المستخفية وراء الأمر، فزعاً من قدر النبوة المتخفي خلف ستور القراءة. وهو فرار حدثتنا المصادر عن مثيل له يوم فر النبي من وجه الملك جبريل إلى خديجة في أول تجربة له مع النبوة ليخفي وجهه في حضنها مردداً: "دثريني! دثريني!". وهو فرار له ما يبرره، لأننا لن نعدم أن نجد له رديفاً في أول تجربة لإنسان بكر يذهب إلى ساحة العرفان لأول مرة (أعني ما نسميه مدرسة بلغتنا اليوم).إبراهيم الكوني مزيج من خيالات وأحاسيس ومعان يتدفق تشكيلات حروف، وسيالات عبارات لا يستطيع المرء حيالها سوى التأمل ملياً بإبداع ذاك الكاتب الذي يتجاوز حد المألوف في المقروء والمفهوم والمنسوج في عالم الأدب القصصي والروائي. ففي صحفه الأولى يرحل بنا الكاتب إلى عالم من أفكار تقفز برشاقة من خلال عباراته الرائعة ومعانيه الشفافة، لتحتل دواخلنا، ولتنشر في النفس نشوة أدبية لطيفة، ولتثري العقل بأفكار تصل إلى حدّ الغرابة الرائعة.