من مغريات ولوج البحث القانوني، التراث القانوني الذي يقوم من جهة على التواصل الفكري، والتكامل النظري، ومن جهة أخرى، على تحويل هذا الفكر إلى عالم ينبض بالحياة، مستهدفاً خدمة الإنسان وثباته واستقراره الاجتماعي. وبالتالي التقدم في مضمار الرقي والحضارة.وإذا كان التراث القانوني هذا، المفصح عن إرادة الجماعة وماضيها وتطلعاتها، والمتمثل ...
قراءة الكل
من مغريات ولوج البحث القانوني، التراث القانوني الذي يقوم من جهة على التواصل الفكري، والتكامل النظري، ومن جهة أخرى، على تحويل هذا الفكر إلى عالم ينبض بالحياة، مستهدفاً خدمة الإنسان وثباته واستقراره الاجتماعي. وبالتالي التقدم في مضمار الرقي والحضارة.وإذا كان التراث القانوني هذا، المفصح عن إرادة الجماعة وماضيها وتطلعاتها، والمتمثل بإجهاد الفكر في مجالات التشريع والفقه والقضاء، يعتبر حافزاً على مواصلة التقدم، توصلاً إلى الاستنباط والإبداع، فإن الصعوبة، كل الصعوبة، تكمن في بدايات المراحل ومنطلقاتها ووضع أسسها. لأن هذه المنطلقات والأسس هي التي تكون الجهد الذي تتمحور حوله حركة البحث العلمي، وتتشابك من فوقه الآراء والأفكار، وتتفاعل مستهدفة تعزيز المسيرة العدلية والقضائية والقانونية، فتساهم في خلق الثقافة القانونية، وفسح مجالات تطورها، ونشر نشاطاتها، والعمل على تحقيق المحطات التي ينطلق منها رجال القانون إلى آفاق جديدة رحبة، تشكل بدورها تراثاً قابلاً للتطور والارتقاء.وهذا ما ينطبق على موضوع بحثنا باعتبار أن الشركات القابضة (هولدنغ) هي من المواضيع الحديثة في عالم القانون، تطرق المشترع إلى وضع أحكامها عندما رأى أنه من الضروري أن تتكامل المؤسسات، وتتخصص في مجالات أعمالها ونشاطاتها، فتقوم الشركة الأم بدور التخطيط والتوجيه، على الصعد الإدارية والاقتصادية والمالية، وتقوم الشركات التابعة بمهمات التنفيذ. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشركات المحصورة نشاطها في الخارج (أوف شور)، والتي تهدف إلى خلق مجال خارجي للأعمال التنفيذية.هذا وإن كانت هاتان الشركتان لا تشكلان، في الواقع، نوعاً مستقلاً من الشركات، بل هما من نوع الشركات المغفلة، ويطبق عليهما، إذاً، ما يطبق على الشركات المغفلة من قواعد قانونية، أِشبعت أبحاثا مستفيضة وسوابق اجتهادية مكثفة يمكن الاستفادة منها. إلا أنهما متميزتان بأحكام خاصة واستثنائية، تتمتع بالأولوية على الأحكام التي تسود الشركات المغفلة، بوجه عام، وهنا مكمن المهمة الصعبة في الموضوع الذي آل "الياس ناصيف" المستشار في محكمة التميز والأستاذ في كليات الحقوق على نفسه ألا يوفر جهداً في سبيل توقيته حقه في البحث والتنقيب ليكون منطلقاَ أولياً ومرجعاً علمياً للدراسات القانونية والاجتهادات القضائية. فلم يتوان عن إبداء الرأي، ووضع القاعدة بعد الاستناد إلى النصوص التشريعية والمنطق القانوني والقياس والمبادئ القانونية العامة، وقواعد قانون التجارة والقانون المدني والقانون الضريبي... وهكذا كان هذا الكتاب الذي بين أيدينا والذي يشكل مدخلاً مهماً لكل من الشركات القابضة هولدنغ والشركات المحورة بنشاطها في خارج لبنان "أوف شور"، خطوة أولى، ليس في لبنان وحسب، بل وفي الأقطار العربية كافة، التي بدأت تتهيأ إلى الوثوب قدماً، عن طريق تحديث أنظمتها التشريعية والقانونية في شتى المجالات، وخصوصاً التجارية منها التي عرفت أنظمة الشركات القابضة (هولدنغ)، والشركات المحصورة نشاطها في الخارج (أوف شور)، بعد توافد الأدمغة ورؤوس الأموال عليها، لتستفيد من قدراتها المالية والاقتصادية والتجارية.