الشاعر الأول بلا منازع، ومفخرة الأمة الروسية، ومنه تبدأ اللغة الروسية الفصحى المعاصرة. كتب ألكسندر سيرغييفيتش بوشكين أنواع الأدب كلها،كما أنه كان صاحب أول رواية شعرية واقعية روسية، هي (يفغيني أونيغين). وتجلت في هذه الرواية كل معاني ومعايير الملحمة. ولذلك يمكن التعامل معها على أنها الملحمة الروسية الواقعية. تحتل رواية (يفغيني أون...
قراءة الكل
الشاعر الأول بلا منازع، ومفخرة الأمة الروسية، ومنه تبدأ اللغة الروسية الفصحى المعاصرة. كتب ألكسندر سيرغييفيتش بوشكين أنواع الأدب كلها،كما أنه كان صاحب أول رواية شعرية واقعية روسية، هي (يفغيني أونيغين). وتجلت في هذه الرواية كل معاني ومعايير الملحمة. ولذلك يمكن التعامل معها على أنها الملحمة الروسية الواقعية. تحتل رواية (يفغيني أونيغين) موقعاً مركزياً في إبداع أ. س. بوشكين، فهي أضخم عمل فني يكتبه من حيث المضمون والشهرة والانتشار، حتى غدا تأثيره قوياً على مصير الأدب الروسي كله. تشير المخطوطة، التي حفظت في أرشيف الشاعر بخصوص "يفغيني أونيغين"، إلى الجهد الكبير الذي بذله بوشكين في صياغتها وإبداعها، وتؤكد على عناده ومحاولته انتقاء المفردة، بشكل دقيق، ووضعها في مكانها المناسب، والبحث طويلاً عن بدائل لها، لتعبر شعرياً عن المضمون الذي يريد أن يوصله. لذلك فقد ارتبط المضمون عند بوشكين بالشكل، وكونا معاً كلاً رائعاً موحداً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى التراكيب القواعدية، التي دخلت نسيج الرواية، معبرة عن أفكار وأحاسيس الشاعر. لقد حاول أكثر من مرة أن يغير مخطط الرواية وبعض تفاصيلها. وعلى مدى أيام وليال طوال لم يبرح الشاعر مكانه وهو يكتب في هذا العمل الإبداعي الشاق والمفرح. ليس غريباً أن يحس الشاعر بعد أن أنهى روايته "يفغيني أونيغين"، بالحزن والأسى، إلى جانب إحساسه بالفخر من البطولة التي قام بها - كتابة أول رواية واقعية روسية - وقد اشتاق إلى العمل الذي اعتاد عليه، وشعر بعد أن أنهاه أنه فقدَ أعز مولود لديه. يبدو من الصعب على شاعر من هذا النوع أن يجد تعويضاً عن مثل هذه المتعة. تجب الإشارة إلى أن الشكل والصيغة الشعرية تعطي "يفغيني أونيغين" صفات وخصائص تميزها عن النثر العادي، فتعابيره رائعة وفائقة الشفافية، لذلك فهي تجعلنا قلقين ومتحمسين. وكل صيغة شعرية وكل صورة لديه تكتسب صفاء خاصاً وإقناعاً من نوع خاص. إن كل فعل الرواية، وكل وصفها وكل كلام الشخصيات فيها، يحصل بفضل الصيغة الشعرية، الجملة التي تتحلى بشعرية خاصة وموسيقى معينة. ونحن لا يمكننا أن نفصل بين الشاعر وبين الشخوص، فتارة يتحدث بلسانه وتارة أخرى بلسان أبطاله. فأونيغين يلتقي مع بوشكين في بطرسبورغ وفي أوديسا، ورسالة تاتيانا محفوظة عند بوشكين، ونرى ذلك بشكل واضح في حركة أحداث الرواية. يحكي لنا عن بعض أحداث حياته ويبادلنا الانطباعات والأفكار والأحاسيس والأحلام، وهذا عبارة عن استرسالات شعرية يدخلها بوشكين في روايته، من خلال جملة أشعار عاطفية رائعة تعبر عن روحه. لقد اختلق بوشكين صيغة وشكلاً خاصاً لروايته الشعرية الغنائية، فالأشعار في رواية "يفغيني أونيغين" تنساب كشلال دائم كما هو الحال في كل أشعاره، حيث نراها موزعة على مجموعات صغيرة مقسمة إلى أربعة عشر مقطعاً، وهذا بلا شك ينم عن قدرة عالية لدى الشاعر في صياغة النص الشعري، وهذه الصيغة تساعده بسهولة للانتقال من موضوع إلى آخر ومن قصة إلى انسياب شعري غنائي. وعندما يتوجب عليه القص بشكل مستمر، فإنه يفعل ذلك بمهارة عالية، بحيث لا نلاحظ الانتقال من موضوع إلى آخر. قصة وفكرة "يفغيني أونيغين" بسيطة للغاية ومعروفة جداً لكل العاملين في الأدب العالمي، أو ربما في الأدب بشكل عام. لقد أحبت تاتيانا أونيغين مباشرة فور مشاهدتها له، أما هو فقد أحبها بعد انفعالات عميقة وإرهاصات سرت في روحه الباردة اليابسة الميتة. شخصية أونيغين معروفة في الأدب الروسي بالإنسان الزائد. وبغض النظر عن ذلك فإنهما يحبان بعضهما البعض، ومع ذلك لا يستطيعان أن يصبحا سعيدين ولا يقترن مصيرهما معاً، والسبب لا يعود إلى الظروف الخارجية، وإنما إلى أخطائهما الشخصية وعدم قدرتهما على إيجاد الطريق الصحيح في الحياة. لذلك يقوم الشاعر بإجبار البطل بالتفكير بالأسباب العميقة، ويجبر القارئ على فعل ذلك. هناك خط بياني واضح ودقيق، يجعل الفكرة بسيطة الحبكة، ويتمثل من خلال رسالة تاتيانا وتمنع أونيغين وقسوته في الجزء الأول من الرواية. وهذا يعكس دراما تاتيانا، لكن رسائل أونيغين ومونولوج تاتيانا ومحاضرتها الجوابية بعد لقائهما في النهاية، يرسم انهيار وتحطم آمال أونيغين. وبين هذين الحدثين المهمين والأساسيين في الرواية، هناك جملة من الأحداث التي يجب أن تبعد وتفرق بين أونيغين وتاتيانا. وهذه الأحداث هي: موت لينسكي أثناء مبارزته مع أونيغين وزواج تاتيانا؛ وهذان السببان كافيان من الناحية الأخلاقية الأدبية والسوسيولوجية السيكولوجية لكي يفترقا بلا رجعة، لأن دلالة الرواية بالمؤدى العام: معرفية، وأخلاقية جمالية.