من الملاحظة أن الدراسات والكتب التي تتناول القواعد الأصولية -التي هي بمنزلة الأداة الأساسية للاستنباط- تنحو بمعظمها إلى الجانب النظري الذي يخرج أحياناً عن الدور والوظيفة، مما يثقل حمل الطالب ويجعل سفره بعيد الشقة. ولو اعتمدت الدراسات الأصولية على التطبيقات والأمثلة لتكشف العديد من خباياه وأسرارها في مدة أقل وطريقة أيسر.فإذا كانت...
قراءة الكل
من الملاحظة أن الدراسات والكتب التي تتناول القواعد الأصولية -التي هي بمنزلة الأداة الأساسية للاستنباط- تنحو بمعظمها إلى الجانب النظري الذي يخرج أحياناً عن الدور والوظيفة، مما يثقل حمل الطالب ويجعل سفره بعيد الشقة. ولو اعتمدت الدراسات الأصولية على التطبيقات والأمثلة لتكشف العديد من خباياه وأسرارها في مدة أقل وطريقة أيسر.فإذا كانت ماهية الأصول: الأداة، ودورها التطبيق، فلماذا تتجه نحو الاستغراق في عالم النظريات والتشقيقات والتفريعات التي قد لا يعلم مدى دورها وكيفيتها في الاستنباط. والواقع أننا لو أكدنا على التطبيق والأمثلة في تمحيص كل أصل وماهيته ودوره، لجنينا الثمار في مدة قليلة نسبياً، وانحلت أمامنا عقد المشاكل المستعصية، وتحول الاستنباط إلى عملية أيسر مما نتصور.إن من جملة المسائل المساعدة -التي نرى أهميتها الفائقة- هي تناول كل أصل أو قاعدة أصولية لوحدها، وقياس مدة أهميتها في كل أبواب الفقه من خلال ملاحظة تطبيقاتها المختلفة. وقد ينتج هذا العمل في المستقبل القريب أصولاً جديدة تؤذن بمرحلة أخرى في مسيرة البحث الأصولي التكاملية والتي لم تعرف الجمود إلا في أذهان الطلبة المقلدين.ستضيء هذه الطريقة الجديدة بعض الزوايا المعتمة هنا وهناك، وتقدم منهجاً أكثر قوة في امتلاك الأدوات اللازمة، وتكشف عن ضعف بعض الآراء بصورة أفضل من المناقشات النظرية البحتة.الكتاب الذي نقدمه للطلاب والأساتذة يعبر عن هذه الأمنية. حيث سعى لتقديم باقة من بستان مدرسة الفقيه السيد "عبد الأعلى السبزواري للفقه الاستدلالي الأصيل تؤدي الغرض المنشود في وضع التطبيقات الأصولية في متناول أيدي الباحثين وتسهل عملهم الذي يقومون به لتوفير أوقاتهم وإعانتهم في كدحهم وجهودهم.ولا بأس بالإشارة إلى بعض الملاحظات الأساسية التي تم إتباعها في إطار إعداد هذا الكتاب: أولاً: تم استخراج جميع التطبيقات من الدورة الفقهية الشاملة لفقيه السيد عبد الأعلى السبزواري والمعروفة بـ" مهذب الأحكام". هذه الدورة عبارة عن ثلاثين مجلداً من الفقه الاستدلالي على العروة الوثقى. ثانياً: يعكس التفاوت الموجود في التطبيقات هنا حجم التفاوت الموجود بين القواعد والأصول في المصدر بنسبة كبيرة. ثالثاً: غالباً ما كان السبزواري يستدل على مسالة بذكر عنوان الأصل والقاعدة فقط كان يقول: "للأصل" أو "للبراءة" دون فرد شرح وبيان، انطلاقاً من هنا فقد تم إدراج بعض من هذه التطبيقات مع التركيز على الاستدلالات المفصلة. رابعاً: يمثل "مهذب الأحكام" بأجزائه الثلاثين مدرسة فقهية بحد ذاتها. وتعبر هذه المدرسة عن النضج الذي وصل إليه البحث الفقهي في هذا العصر.