عن ستة حروف يتحدث هذا الكتاب: الثروة. هذه الحروف الستة حكمت مصر، وحركت الأحداث مثل مسرح العرائس، وأقامت نهار المحروسة، ولم تقعد ليلها حتى الآن. لم تكن الثروة في بلادنا راقصة باليه تسير على أطراف أصابعها بخفة ورشاقة، وإنما دبت بقدميها على الأرض مثل مصارع سومو، في مهمة عنوانها الإقصاء والانفراد بالمشهد. لم تكن الثروة في مصر ترفًا،...
قراءة الكل
عن ستة حروف يتحدث هذا الكتاب: الثروة. هذه الحروف الستة حكمت مصر، وحركت الأحداث مثل مسرح العرائس، وأقامت نهار المحروسة، ولم تقعد ليلها حتى الآن. لم تكن الثروة في بلادنا راقصة باليه تسير على أطراف أصابعها بخفة ورشاقة، وإنما دبت بقدميها على الأرض مثل مصارع سومو، في مهمة عنوانها الإقصاء والانفراد بالمشهد. لم تكن الثروة في مصر ترفًا، بل طرفًا في كل شيء: الحروب والمقاومة، الصناعة والزراعة، التحالف والصراع، الفرد والعائلة. المال، الذي إليه الناس قد مالوا، رسم ملامح صورة تستحق التأمل، وصنع تركيبة خاصة بهذا المجتمع، حتى صار الثراء رمزًا للقوة وعنوانًا للسياسة. ربما لهذا السبب، تكالب على المال أصحاب الشرور الثلاثة: الطغاة والبغاة والغلاة، ولكل منهم غرض خفي ومأرب مريب. وليس خافيًا أنه مر على مصر زمن، وقع فيه خلط متعمد للعلاقة بين المال العام والمال الخاص، بشكل أفضى إلى تميع وتلاشي الحدود فيما بينهما. وللمال أصحاب، مثلما للثروة أهل. بعضهم اعتبر مصر وطنًا، وبعضهم الآخر رأى فيها صفقة، وفريق ثالث لم يخف رأيه في أنها مجرد إقطاعية وإرث مستحق له أبًا عن جد. وحين نسرد نبذة من قصة وتاريخ الثروة والأثرياء في مصر، فإن ذلك ليس بهدف التسلية، وإن كانت تفاصيل تلك الحكاية أكثر من مسلية، ولكن لإيقاظ وعي أمة كادت أن تنسى تحت ضغط اللحظة الحاضرة أن لها تاريخًا. وفي قراءة الحاضر.. تبقى مشكلة، ويثور تحفظ، وتبرز ظاهرة. وإذا كان اختيارنا قد وقع على أسماء من فترات وعهود مختلفة للحديث عن الثروة، فإننا نستطيع القول إن كلًا من هؤلاء الأشخاص يرمز إلى عصره ومصره بكل ما تعنيه تلك المقولة من دلالات. منهم من أعطى أكثر مما أخذ وبنى واعتنى، وترك وراءه قيمة حقيقية وصناعة وطنية أو مشروعات خيرية.. ومنهم أيضًا من تصارع على الثروة فدهس العشب والشعب على حد سواء! يبقى أن الأسماء التي وردت في سياق هذا الكتاب، جاءت في إطار الحديث عن الثروة في مصر على مدى فترة زمنية تمتد من نهايات القرن الثامن عشر حتى وقتنا الحاضر، من دون أن يعني ذلك قصد التشهير أو الإساءة إلى أحد. والمقصد الأول للكتاب هو الرصد والتحقيق، لا القذف والتشهير، وهدفنا هو التأريخ والتحليل، لا الخلط والتدليس. إن الحديث عن الثروة والأثرياء في ربوع مصر يفتح سيرة لا تنتهي، ويقود إلى دروب تتشعب حتى نتعب. والأجدى، والحال كما نرى، أن نقف عند هذا الحد، تاركين للحكاية وحدها حق الكلام.