تعد قضية الاهتمام بالطفولة من أبرز القضايا الحضارية التي أصبحت في كثير من بلدان العالم هدفاً استراتيجياً من خلال التوازن للبيئة الأسرية، والمجتمعية، لذلك لا يمكن معالجة قضايا الطفولة بمعزل عن قضايا المجتمع ككل، بل لابد وأن تأخذ أولويتها ضمن إطار التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة. إن اهتمامنا بالبراعم الصغيرة من أبائنا هو من...
قراءة الكل
تعد قضية الاهتمام بالطفولة من أبرز القضايا الحضارية التي أصبحت في كثير من بلدان العالم هدفاً استراتيجياً من خلال التوازن للبيئة الأسرية، والمجتمعية، لذلك لا يمكن معالجة قضايا الطفولة بمعزل عن قضايا المجتمع ككل، بل لابد وأن تأخذ أولويتها ضمن إطار التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة. إن اهتمامنا بالبراعم الصغيرة من أبائنا هو من أجل إتاحة الفرصة لهم للنمو الجسمي والعقلي والانفعالي والنفسي لقضاء طفولة سعيدة، وبأسلوب صحي سليم يجعلهم قادرين على تحمل مسؤولية مستقبلهم بقوة وعزيمة وإيمان، ومن حق الطفل علينا أن يخصه المبدعون منا في مجال الأدب ببعض جوانب إبداعهم كي يرى أيضًا نفسه وموقعه بالنسبة لوجهي الحياة المتناقضين، ويتبصر ما حوله، ويعقد مع ذلك صلات الرفض أو القبول، ويعد نفسه ليمارس أفعال الحياة في الشكل الذي يضمن لنا ألا يفسد فيها أو يجعل منها مباءة تغرر الإنسان. فمرحلة الطفولة من أهم مراحل حياة الإنسان، فهي تحدد شخصيته، وكيانه، وفكره، وأخلاقه، وهي مرحلة وجود مهمة في حد ذاتها، وكل خبرة في الحياة لها اتصال وثيق وعلاقة متينة بالطفولة. وقد كان الاعتقاد السائد بأن الطفل غير قادر على إدارك الأحداث من حوله واستيعابها، ولكن مع تطور العلم والتكنولوجيا وثورة المعرفة التي شملت كل جوانب الحياة بدأ التوجه إلى الاهتمام بالطفولة، حيث أدرك الإنسان أهمية مخاطبة الأطفال بلغتهم، وأسلوبهم، والتوجه إليهم أينما كانوا. إن تدريب الطفل كي يعيش سعيداً وفعالاً كمواطن في دولة، وفي العالم أجمع يُعدّ أصعب العمليات التي تواجه المربين والمربيات، ولتحقيق ذلك فإن الطفل يجب أن يحصل على قيم اجتماعية أساسية معينة خاصة بمجتمعه، وأن تتولد لديه القدرة على التكيف مع القيم الناجمة عن التغير الاجتماعي الثقافي السريع والمحافظة على بعض القيم التقليدية، ويجب أن يكون أطفال المجتمع واعين ــ مدركين ــ متمسكين بالقيم الثقافية التي تنتقل إليهم عبر الأجيال السابقة في عملية أسميناها «التنشئة الاجتماعية» مضمونها تربوي وأهدافها تنموية. لم يعد ما يقدمه الكتاب للناشئة توليفاً، وتأليفاً طارئاً يرضى حاجة عارضة للأطفال، بل هو من صلب نداء الحياة ومغذٍ جوهري يؤثر تأثيراً فاعلاً في شخصيتهم عن طريق تكييفهم مع المواقف الاجتماعية بصورة طبيعية لا قصرية نتيجة رغبات ممحورة تقديراً للظروف، وبما يتناسب مع شخصياتهم التي يكون لها دور عميق وباقٍ في حياتهم كلها ضمن نطاق السمات الرئيسة التي تتكون منها شخصية الطفل عند بدء تعلمه القراءة، فمنها يأخذ عاداته واتجاهاته ومعتقداته بحيث يصعب تغييرها أو تعديلها. لذا حظي أدب الأطفال باهتمام وافر، ووجد الخبراء فيه غذاء للروح والجسد معًا، ووجدوا فيه رافدًا مهمًا لكل نوع من أنواع الدراسة الخاصة بالطفل فتعالت الأصوات مطالبة بإنتاج أدب خاص بالأطفال، وتتابعت الطاقات البشرية الخلاقة إلى تلبية هذا النداء، فما هو إلا زمن قصير حتى كان في كل بلد من أرجاء هذه المعمورة كتّاب قصروا اهتمامهم على الكتابة للأطفال، وشعراء كرسوا فنهم لإمتاع الطفل وتغذية وجدانه، وإشرابه حبّ الجمال. وعليه، فإن أدب الأطفال في مجموعه هو الآثار الفنية التي تصور أفكارًا وإحساسات وأخيلة تتفق ومدارك الأطفال: وتتخذ أشكال: القصة والشعر والمسرحية والمقالة والأغنية. وقد أثار المؤلفون كثيراً من المسائل الحيوية في هذا المجال، وألقوا أضواء منيرة على عديد من القضايا المهمة المتعلقة بأدب الأطفال كالإبداع، وكيف نكتب للأطفال، وآثار تكنولوجيا التعليم الحديثة، كالإنترنت والحاسوب وعلاقتها بالطفولة إيجاباً وسلباً، ودعا الكتاب إلى أن نقوم بنهضة جديدة في دنيا الطفولة وأدبها، وقد بلغ هذا الأدب اليوم عصراً من عصور ازدهاره واتخذ له تقاليد خاصة. والكتاب الذي بين أيديكم الآن يعد ثمرة يانعة لسلسلة من الدراسات في أدب الأطفال، والكتب التي تناولت هذا الموضوع وخلاصة الخبرة التربوية المتراكمة لمؤلفي هذا الكتاب وتجاربهم في إعداد المعلمين والتدريس، والتأليف في الميادين اللغوية والتربوية وعملهم في أنحاء الوطن العربي وفي دول شرقية وغربية. وقد امتاز هذا الكتاب بحداثة تقديم أدب الأطفال في فلسفته وأنواعه واستراتيجيات تدريسه إلى معلمي المستقبل، سقاة البراعم الناعمة الذين يختصون بتربية الأجيال ويحملون رسالة الأمة وميدانهم هو الصف وجنودهم الأطفال. وفي هذا الكتاب ما يأخذ بيد هؤلاء الفرسان، والقادة من معلمي الغد في فهم أهداف أدب الأطفال ، وهؤلاء المعلمون يتقدمون في تأثيرهم على كل أديب وعلى كل مربٍ لأنهم الأقرب لتلاميذهم، والأفهم لمشاعرهم، وابتسامتهم تسمو في وجه تلميذهم وتسمو على أي قصيدة قالها شاعر كتب للطفولة.