"نبدأ في هذه الليلة، في الساعة الرابعة وعشر دقائق من سحر ليلة الاثنين، الخامس والعشرين من شهر كانون الأول لسنة 2000 ميلادية، وهو سحر ليلة الاثنين في التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك لسنة 1421 هجرية، وأنا في باريس.. أتلقى العلاج من داء السرطان وأسأل الله أن يجعله ناجعاً وشافياً. أبدأ بإملاء هذه الوصايا السياسية والاجتماعية وا...
قراءة الكل
"نبدأ في هذه الليلة، في الساعة الرابعة وعشر دقائق من سحر ليلة الاثنين، الخامس والعشرين من شهر كانون الأول لسنة 2000 ميلادية، وهو سحر ليلة الاثنين في التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك لسنة 1421 هجرية، وأنا في باريس.. أتلقى العلاج من داء السرطان وأسأل الله أن يجعله ناجعاً وشافياً. أبدأ بإملاء هذه الوصايا السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية، لعل الله يجعل فيه نفعاً للناس عامة، وللمسلمين خاصة، ولخصوص أتباع خط "أهل البيت" بوجه خاص. وأبدأ هذه الوصايا بوصيتي إلى عموم أهل الشيعة. أوصي أبنائي وأخواتي الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأن لا يميزوا أنفسهم بأي تمييز خاص، وأن لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم، لأن المبدأ الأساس في الإسلام، هو المبدأ الذي أقرّه أهل البيت المعصومون، عليهم السلام، هو وحدة الأمة، التي تلازم وحدة المصلحة، ووحدة الأمة تقتضي الاندماج وعدم التمايز، وأوصيهم بألا ينجرّوا وألا يندفعوا وراء كل دعوة تريد أن تميزهم تحت أي ستار من العناوين، من قبيل إنصافهم ورفع الظلامة عنهم، ومن قبيل كونهم أقلية من الأقليات لها حقوق غير تلك الحقوق التي تتمتع بها سائر الأقليات. إن هذه الدعوات كانت ولا تزال شراً مطلقاً، عادت على الشيعة بأسوأ الظروف..".من سرير المرض وغرفة العلاج في باريس، كان الإمام مهدي شمس الدين يتابع الجليلة الكبرى والصغرى الهينة من مشكلات وطنه لبنان... الذي أحبه شيخنا، وأراده وطناً حراً نهائياً لجميع أبنائه، مثلما أحب جميع أبنائه على السواء. ومن ذات الغرفة السرير ظل يتابع قضايا العرب والمسلمين على اختلاف أوطانهم. وبين علاج وعلاج، وبين ألم وألم، استطاع أن يحرر أبحاثاً فقهية كاملة وفصولاً من أبحاث أخر، وكأنه لم يشأ أن يغادر وفي نفسه شيء مما يعتبره تكليفه الشرعي.وما بين دفتي هذا الكتاب مجموعة من الوصايا بدأ الإمام بتسجيلها قبل نحو أسبوعين من وفاته. تلك الوصايا انطوت على جملة من المواقف والاجتهادات والتوجيهات، حول قضايا عربية وإسلامية عامة، وقضايا لبنانية خاصة، وشيعية بوجه أخص، ولئن كان الإمام قد دأب على إعلان ذلك في غير مناسبة؛ إلا أنه في هذه الوصايا بالذات إنما أراد أن يقول كلاماً أخيراً واضحاً ودقيقاً في بعض المسائل الحساسة الحرجة... لكأن لسان حاله يقول: "اللهم أشهد أني قد بلغت".