يعيش الإنسان علاقة فريدة من نوعها مع قوى الطبيعة، يحاول دائماً السيطرة عليها أمن أجل إشباع حاجاته والارتقاء بمستواه المعشي. وإذا كان الطيران يمثل أهم صور استغلال الإنسان للفضاء الجوي، فإن قصة الإنسان مع الطيران تعد تصويراً نموذجياً لهذا الصراع الذي يعيشه مع قوى الطبيعة. فقد راوده حلم تقليد الطيور في طيرانها منذ القدم وقد جانبه ا...
قراءة الكل
يعيش الإنسان علاقة فريدة من نوعها مع قوى الطبيعة، يحاول دائماً السيطرة عليها أمن أجل إشباع حاجاته والارتقاء بمستواه المعشي. وإذا كان الطيران يمثل أهم صور استغلال الإنسان للفضاء الجوي، فإن قصة الإنسان مع الطيران تعد تصويراً نموذجياً لهذا الصراع الذي يعيشه مع قوى الطبيعة. فقد راوده حلم تقليد الطيور في طيرانها منذ القدم وقد جانبه الصواب أول الأمر بأن اعتقد أن الطيران ما هو إلا "سباحة" في الهواء، وتساعد الحركة المحددة والمنتظمة للأجنحة على هذه السباحة، إلا أنه استطاع بعد كفاح مرير وتضحيات جمة أن يجوب الفضاء الجوي مستخدماً مركبات ذات سرعة فائقة وقادرة على حمل أثقال كبيرة، بل أنه تجاوز حدود الغلاف الجوي ليخوض مجال اكتشاف الفضاء الخارجي.ومع اكتشاف الطيران وتطوره شرعت البشرية في استغلاله من الوجهة الاقتصادية. ولا يعد استخدام الطائرة الصورة الوحيدة لاستغلال الإنسان للبيئة الجوية كما سبق أن ذكرنا، إلا أنه يظل مع ذلك أهمها خاصة إذا توقفنا عند الاستغلال التجاري لهذه البيئة.ويأتي النقل التجاري الجوي في مقدمة صور الاستغلال التجاري للبيئة الجوية بواسطة الطائرة. ذلك أن النقل بوجه عام هو عصب حركة تداول الثروات، فلا يتأتى إنجاز المبادلات بين أجزءا المعمورة المختلفة دون أن يستلزم الأمر انتقال الأِشياء من مكان إلى آخر. كذلك يحتاج الأفراد إلى الانتقال من مكان إلى آخر إما لدواعي العمل أم للسياحة أو للتبادل الرياضي... ومع تعاظم حجم التبادل سواء الداخلي أو الدولي وزيادة حركة انتقال الأفراد أخذ النقل الجوي أهمية كبرى إذ يسمح بإنجاز عملية النقل لمسافات كبيرة في زمن محدود مما يوفر الوقت والجهد على الإنسان. لذلك تكثر مشروعات النقل الجوي في العالم بل صارت ظاهرة الخطوط الجوية المنتظمة ظاهرة شائعة وطبيعية، حتى اعتبر البعض النقل الدولي مرفقاًً عاماً. وفي المرحلة الراهنة من مراحل تطور الطيران تظل الأهمية الأعظم لنقل الأشخاص، وإن كان يتم نقل البضائع جواً، إلا أن النقل البحري يحتفظ بالمكانة الأولى في هذا الصدد نظراً للأحمال الضخمة التي تستطيع نقلها السفن والتي قد تصل إلى عشرات الآلاف من الأطنان.وعلى ذلك، يمثل النقل التجاري الجوي، سواء كان داخلياً أو دولياً، عماد أحكام قانون الطيران التجاري. أي أن الطائرة لكي تنجز مهمتها في نقل الأشخاص أو الأشياء لا بد لها من القيام بالرحلة الجوية. وهذه الرحلة تتطلب تدخل أشخاص واستعمال معدات عديدة وتحكمها مجموعة من القواعد القانونية يمكننا أن نطلق عليها أحكام الملاحة الجوية.وتشمل هذه الأحكام القواعد الخاصة بأداة الملاحة ذاتها وهي الطائرة، والأحكام الخاصة بمجال هذه الملاحة أي البيئة الجوية أو الفضاء الجوي، وأخيراً تشمل هذه الأحكام النظام القانوني لمرافق الملاحق الجوية والتي تعرف بالمطارات أو الموانئ الجوية من جانب وبالارتفاقات الجوية من جانب آخر. أما النقل الجوي فبوصفه عقداً من العقود لا بد من تحديد ماهيته وبيان خصائصه وكيفية إثباته ثم استعراض الآثار الرئيسية المترتبة عليه.ستنقسم الدراسة التي يحويها هذا الكتاب والتي جاءت تحت عنوان "قانون الطيران التجاري في ضوء القانون اللبناني والاتفاقات الدولية" إلى قسمين رئيسيين: القسم الأول: خاص بالنظام القانوني للملاحة الجوية. القسم الثاني: خاص بالنقل التجاري الجوي.