حين تكون الكتابة عن قناة الجزيرة فإنها ستكون حول ظاهرة وذلك لأن الجزيرة تعد استثناء في زمن "إعلام الجواري".. إعلام الجواري؟! نعم. فقد كان الملوك والسلاطين والأمراء والأسياد يحبذون في جواري القصور القدود المياسة، والأصوات العذبة، والجمال الفتّان. ونجحت شهرزاد في استلاب قلب شهريار لأنها كانت تصب في أذنيه حيل الكلام ساعات الليل وكا...
قراءة الكل
حين تكون الكتابة عن قناة الجزيرة فإنها ستكون حول ظاهرة وذلك لأن الجزيرة تعد استثناء في زمن "إعلام الجواري".. إعلام الجواري؟! نعم. فقد كان الملوك والسلاطين والأمراء والأسياد يحبذون في جواري القصور القدود المياسة، والأصوات العذبة، والجمال الفتّان. ونجحت شهرزاد في استلاب قلب شهريار لأنها كانت تصب في أذنيه حيل الكلام ساعات الليل وكانت أيضاً جميلة.وأما اليوم فأمامك شهريارات، وما عليك سوى أن تضغط الزر، أو يضغطه غيرك بحضورك، فترى البرامج الناجحة وغير الناجحة (حسب معطيات إعلام الجواري)، في القنوات المطلوبة، وكلها أنس ومرح، وأحاديث "عامية" ممططة، محالة، غنجية، ملتهبة، جريئة، ولا فصحى قشيبة. وترى الصبايا والولدان في نعومة الأظفار، واتساع العيون، وشقار الشعر، وتقليعات تسريحه، ودلال الحركة، وتثني المشية، وصراخ الألوان.. وتكاد تقول: هل هذا قصر غوانٍ، أم مجلس سلطان في ألف ليلة وليلة؟!! لكنك تبتلع كلامك، وأنت تعرف أن الذي يطلب في قبول المذيعات اليوم، ذلك الذي كان يرغب السلاطين في شراء الإماء بالأمس.وحين تخرج الجزيرة عن هذا الإطار لتمثل صورة عن إعلام متميز، وتكون قادرة على استيعاب ذا الفكر وذا اللب وصاحب التجارب والمعتز بفصاحة لغته، وصاحب التطلعات الإعلامية الهادفة، حينها فإن الجزيرة ولهذه الأسباب تستأهل وقفة للتأمل، بالإضافة إلى ذلك فإنها ظاهرة اختلف فيها وحولها الناس... فكانت الملك والشيطان، الوفي والعميل، البنّاء والهادم، شيء واحد لم يختلف حوله الجميع وهو حرف "ما" ما هي؟ ماذا؟ ما السرّ؟ ما الذي؟لقد ولدت علامة استفهام، وإلى اليوم تبقى علامة استفهام، تسير في ركاب إدانتها، حتى إذا قاربْتَ الإمساك بقرارك في ذلك خامرك الشك فيها، فرجعت سالكاً طريق تمجيدها، ولا تكاد تبلغ النهاية حتى تتراجع خطاك، بلقطة بصورة، ببرنامج، بخبر، بمداخلة، وتحار... هل هي قاعدة غربية إسرائيلية متقدمة في الوطن العربي كما يشاع؟ أم أنها حصن من حصون هذه الأمة وقلعة قوية من قلاعها؟!! هل مع الله، أم جندي لإبليس؟!! هل هي الرئة التي يتنفس من خلالها الملايين أم السلّ الذي يستشري في كيانهم؟ هل هي الجامعة العربية؟ أم هي معولٌ لزعزعة البناء؟ كل هذه أسئلة تدور حول طوطم واحد، سرّ واحد، سؤال واحد: ما هي قناة الجزيرة؟!!ويبقى الحكم النهائي المجمع عليه من طرف الجميع مؤجلاً غير أن لكل مشاهد ومراقب حكمه الخاص، وهو لذلك إما يكتب شعار الجزيرة عنده بالأسود أو بالأبيض. وفي حالات أخرى وهناك دائماً وفي كل شيء آخرون، وهم هنا يفضلون رسم الشعار فارغاً، ويدعون للأيام وحدها تلوينه و"إن بعض الظن إثم".لكن مؤلفي هذا الكتاب قررا أن يمسكا بالقلم للكتابة عن ظاهرة تفهم معنى "الرأي الآخر" وتدرك جيداً فائدة "الاتجاه المعاكس". والمؤلفين في كل هذا، لا يرسمان قناعتهما، فالكتاب ليس عن مذكرات شخصية وإنما هو عن ظاهرة قناة الجزيرة سلباً وإيجاباً.