إن اسم الجاحظ عند العامة والخاصة، أشهر من ان يحتاج إلى تقديم، فهو، من هذه الناحية، من الأشخاص القليلين الذين فرضوا أنفسهم على الناس وعلى التاريخ، ولولا التعصب الثقافي المسيطر على الأفراد والأمم، والوهن الذي أصاب بني جلدته منذ زمن طويل لكان صاحبنا اليوم يتمتع بعالمية أكثر مما يعترف له بها الآن؛ لأن ما أتى به هذا العبقري في زمانه ...
قراءة الكل
إن اسم الجاحظ عند العامة والخاصة، أشهر من ان يحتاج إلى تقديم، فهو، من هذه الناحية، من الأشخاص القليلين الذين فرضوا أنفسهم على الناس وعلى التاريخ، ولولا التعصب الثقافي المسيطر على الأفراد والأمم، والوهن الذي أصاب بني جلدته منذ زمن طويل لكان صاحبنا اليوم يتمتع بعالمية أكثر مما يعترف له بها الآن؛ لأن ما أتى به هذا العبقري في زمانه لا يعد تراثاً للعرب وحدهم ولكن لجميع الأمم.ونظرة خاطفة في تآليفه تكفي للتحقق من الطابع الإنساني لهذا التراث، بل إن تصوره لضرورة الإجتماع البشري إنطلاقاً من مفهوم البيان وتفكيره في إصلاح العالم بواسطة الأدب هذا المفهوم الآخر الذي راح يحاول أن يجمع فيه بين الوحدة والتنوع، والفوضى والإنسجام، يعطي لنظرته بعداً إنسانيأً لم يكن من السهل إدراكه ولا قبوله في ذلك العصر، لأن البيان في هذه النظرة هو الدليل الأعظم الذي تتجلى فيه وحدة الجنس البشري في صورتها الأولى."الجاحظ الأديب" هي الصفة التي غلبت على باقي صفاته، فبالأدب عرف الجاحظ وبه اشتهر، ومنزلة "الجاحظ" في الأدب العربي توطدت وهو لا يزال في قيد الحياة، وشهرة "الجاحظ" بالأدب إن كان نالها بالإنتاج الوافر الذي تركه في هذا الميدان، فإن الحظ الأوفر في ذلك يعود إلى كتاب البيان والتبيين، وما قاله ابن خلدون في هذا الصدد يلخص بلا شك ما أجمع عليه الأدباء وتناقلوه من جيل إلى جيل منذ زمن بعيد.ولأهمية هذا الكتاب اعتنى بدراسة المؤلف سالكاً في هذه الدراسة الطريقة الإستقرائية السائدة في كثير من الدراسات الأدبية واللسانية التي تعتمد على الإحصاء والمقارنة، معتمداً على الطبعة الثالثة لكتاب البيان والتبيين بتحقيق وشرح الأستاذ "عبد السلام محمد هارون"، وقد قسم الكتاب إلى مقدمة وسبعة فصول وخلاصة؛ جاء الفصل الأول: "الظروف التاريخية والحضارية التي ألف فيها الجاحظ كتابه"، الفصل الثاني: "كتاب البيان والتبيين: موضوعه وخطته"، الفصل الثالث: "نظرية الكلام"، الفصل الرابع: يعرض فيه المؤلف: 1-لمفهوم البيان، 2-لمفهوم التبيين، الفصل الخامس: "نظرية البلاغة"، الفصل السادس: "القضايا البلاغية الهامة في كتاب البيان والتبيين"، الفصل السابع: "نظرية الأدب"، الخلاصة: وهي حوصلة لأهم القضايا التي تطرق إليها المؤلف في الرسالة ومحاولة لإبراز أهم القضايا التي يمكن أن تكون قاعدة لمشروع دراسة موسعة في المستقبل...