بين العدم والكينونة فعل ابداع الله، وبين الكينونة والصيرورة فعل حرية الإنسان، هذا الإنسان الذي شكل محور أدب خليل رامز سركيس، أو قل رسالته في الحياة، بغية "مساعدة الإنسانية على تأدية معناها تأدية ترفعها الى مستوى باريها خلقاً ومعرفة." لقد انطلق أديبنا من إيمانه بجهة الأدب وغايته، بحيث يتصل عبره بحقائق الوجود وبمشاهده اليومية، فيم...
قراءة الكل
بين العدم والكينونة فعل ابداع الله، وبين الكينونة والصيرورة فعل حرية الإنسان، هذا الإنسان الذي شكل محور أدب خليل رامز سركيس، أو قل رسالته في الحياة، بغية "مساعدة الإنسانية على تأدية معناها تأدية ترفعها الى مستوى باريها خلقاً ومعرفة." لقد انطلق أديبنا من إيمانه بجهة الأدب وغايته، بحيث يتصل عبره بحقائق الوجود وبمشاهده اليومية، فيمزج بعضها ببعض، ويضع بها أثراً ذا حقيقة كونية، فيقول: "الأديب ذو مهمة يسأل عنها، فلا ينبغي له التكلؤ عن الجواب، ومن واجبه أن يحيى الناس في أدبه، فليعش عيشة أدبه، وليلتزم بيئته، فلا ينعزل عن قضايا الناس." خائضاً بذلك معركة التحرير الفكري. وفي التزامه هذه المشكلات، دعوة الى أن يرفع الجمهور إليه، وأن يرقيه، فيبثّ من روحه، في قضايا إخوانه التي تشغلهم، نفساً إنسانياً أبيّاً فيقول:"جميل أن يرتفع الإنسان بفنه، لكن الأجمل أن يرفع الناس إليه ويرتبط بهم من غير أن ينتقص منه شيء." همّه تجسّد كلمة تحيي، كلمة تحرر الأرض فتوحد الأقاصي، وكأنه به أراد من أدبه ترجمة للكتاب المقدس، ترجمة عملية تجعل التنظير تطبيقاً في حياة إنسان القرن العشرين. لقد أدرك سركيس أن الإنسان عليه أن يعلم، قبل كل شيء، أنه جوهر غير متجزئ، قوامه تفاعل روح وجسد، لحم ودم في طاقة روح. فالإنسان اكتمال قوة بفعل، وهو عمل روح وجسد في غاية كينونة يعبّر بها عن وجوده في وحدة شأو لتخطي الآنية على الدوام، فيرى بذاته علائق وجود تنفي العدم، فتزيده اتصالاً بما بين الروح والمادة من وحدة غاية على اختلاف أسباب، فيكون التضامن بالكون ملحمة ذات، بحيث يكتنه الإنسان المادة الكونية التي فيه وينفذ منها الى وجدانية الكون. وبالنسبة للإيمان والمعرفة، فقد آمن الأديب خليل رامز سركيس بالعقل في خدمة العلم، إيمانه بالعلم في خدمة الإنسان، كاشفاً أنه ليس من تناقض بين الخلق والمعرفة، أي بين الإيمان والعلم فيقول:"الدين والعلم فعل معرفة، والمعرفة يد الله في قصده الأجلّ: تحريرالإنسان" لتحقيق غاية وحدة الوجود. وبالنسبة للحرية والعمل، فقد رأى سركيس أن الحرية هي محرك عمل الإنسان، وعمله عماد وجوده، والعمل فرح والفرح غاية، وهو سموّ ينتزع الى أرض جديدة. انه العمل القداسة حيث يتحرر الإنسان ويلتقي بالله وإليه يعود بغاية عمله. فتكون الحرية طريقاً الى العمل القداسة في الوعي الإنساني، غاية الوجود ووسيلة للكمال، فيقول:"الحرية نمو في الحقيقة، في الحب على نحو يتخطى التأمل الى العمل، العمل في العالم، لأجل العالم" و "كل جهد يشارك في اكتمال العالم وبالتالي يحقق مشيئة الخالق: الخلاص". ويمكن القول بأن أدبيات خليل رامز سركيس إنما هي ينابيع خشّع تصلي، فتروي كل عطشان الى ديمومة ناهضة نحو الله، مهرت بتوقيع إيمان خليلي وعطاء رامزي وقلم سركيسيّ. هذا بعض ما جاء من أقوال وآراء في مؤلفات خليل رامز سركيس والتي خطتها أقلام مسؤولة تساعد معظم القراء على فهم أعمال هذا الأديب، وخصوصاً، وكما ذكر هو نفسه، أن أعماله "صعبة" بحسب ما يرى بعض منهم. وقراء مؤلفات سركيس، كما يذكر هو أيضاً، هم من صفوة الأقلين الذين بوفائهم تغنّى السموأل في أمّ قصائده، فأشعروه أنهم، كمثل أهله، أعضاء في أسرة نادية الحميم الذي يضم، في ما يضم من خاص وعام، سبعة عشر كتاباً، ارتكبها في مغامرة عمره طوال نصف قرن.