الوسيط في الأصل التجاري - الجزء الثالث

لقد خصصنا للنظرية العامة في الأصل التجاري والعناصر التي يتألف منها الأصل الجزء الأول والثاني من الوسيط ؛ وكان من الواجب أن يتم الانتقال بعد ذلك إلى معالجة العقود الأساسية التي تردُ على هذا الأصل، الذي يشكل جزءا هاما من الذمة المالية للمقاول التاجر، سواء كان شخصا ذاتيا (طبيعيا) أو كان شخصا معنويا (الشركات وما يماثلها)، وقد وضع المشرع المغربي، كغيره من التشريعات المقارنة، نظرية متكاملة للعقود التي ترد على الأصل التجاري، والتي اشتملت على الأغلبية الساحقة من مواد المدونة الجديدة لسنة 1996 - التي ضمت مواد ظهر 31 دسمبر 1914 المتعلق ببيع ورهن الأصل التجاري وتقديمه حصة في شركة بعد غربلته وتعديله وتتميمه - التي خصصت للأصل التجاري، نهج يجسد موقع الأصل ومكانته وأهميته ودوره في الاقتصاد الوطني (المواد 81 إلى 158 من المدونة)؛ وهكذا نال بيع الأصل التجاري المواد 81 إلى 103، وتقديم الأصل التجاري حصة في شركة المادتين 104 و 105، ورهن الأصل التجاري المواد 106 إلى 110، والأحكام المشتركة بين بيع الأصل التجاري ورهنه المواد 111 إلى 151، والتسيير الحر للأصل التجاري المواد 152 إلى 158. ولا يمكـــن للباحــث أن يتقاعس أو يغفــــل عــن دراســــة الكــــــراء التجـــــاري «baux commerciaux» الذي يزود الأصل التجاري عند وجوده بعنصر هام معنوي يرفع من قيمته التجارية، وهو الحق في الكراء «le droit au bail» إلى جانب عناصر معنوية ومادية أخرى (المادة 80 من مدونة التجارة).ولقد أولى المشرع عناية فائقة لكراء العقارات «baux d’immeubles» أو المحلات «locaux» المخصصة للاستغلال التجاري أو الصناعي أو الحرفي لـما تؤديه من دور هام في استقرار التجارة ونموها وتوسعها إلى جانب تحديد الموقع الذي يمارس فيه المقاول أنشطته التجارية، تحديدا ييسر للمستهلكين والزبناء والمتعاملين، من مستثمرين ورجال أعمال وموردين وغيرهم، معرفة المكان الذي يقصدونه لقضاء حاجاتهم وتأمين مصالحهم؛ إلا أن المشرع أبقى موضوع هذا النوع من الكراء، البالغ الأهمية، خارج مدونة التجارة لسنة 1996، على الرغم من أنه سابق عنها بسنين عديدة، إذ يرجع تاريخ تنظيمه إلى ظهير 2 شوال 1374 (موافق 24 مايو 1955).