ما انفك الفلاسفة والمفكرون وعلى مر العصور يطرحون الإشكالية المتعلقة بمصير الإنسان، وقد سادت النزعة التشاؤمية لدى معظم الذين تناولوا تلك القضية متأثرين بالموقف المأساوي الذي يحياه الإنسان. وفي العصر الحديث نبعث المشكلة من حجم الدمار الذي يلحق بالبشرية وتفشي الإرهاب ما يؤذن بسقوط الإنسان في الهاوية والمفكرون يرسمون صورة كارثة لهذا...
قراءة الكل
ما انفك الفلاسفة والمفكرون وعلى مر العصور يطرحون الإشكالية المتعلقة بمصير الإنسان، وقد سادت النزعة التشاؤمية لدى معظم الذين تناولوا تلك القضية متأثرين بالموقف المأساوي الذي يحياه الإنسان. وفي العصر الحديث نبعث المشكلة من حجم الدمار الذي يلحق بالبشرية وتفشي الإرهاب ما يؤذن بسقوط الإنسان في الهاوية والمفكرون يرسمون صورة كارثة لهذا الإنسان الذي فقد اتجاهه فلم يعد قادراً على معرفة موقعه وسط هذه المؤثرات والتحولات الكونية، كان فرويد قد طرح سؤالاً يتعلق بمصير الحضارة التي يفتخر بها الإنسان في الوقت الذي تفرض عليه تضحيات كبيرة في بحثه عن السعادة.وقد رأى فرويد إن هذه الحضارة تتجه دوماً نحو قمع رغبات الإنسان فتطور الحضارة من وجهة نظره تمثل صراعاً بين نزوة الحياة ونزوة التدمير وقد أضحى شبه مؤكد الآن أن التطور الهائل في العلم والتكنولوجيا وأن أسهم في إنقاذ البشرية من ربقة التخلف والانحطاط فقد أوقع الحضارة والإنسان في آتون الكارثة.لقد ركز الدكتور فيصل عباس في كتابه (الإنسان المعاصر في التحليل النفسي الفرويدي) على دراسة تلك الإشكالية وتحليل ملابساتها ودلالتها وأبعادها. لقد سبق وأن تنبأ به المفكرين بالمصير الذي تتجه نحوه البشرية معبرين عن ذلك بالقول "إن مفاهيم التقدم، الحرية، العدالة، العقل، هي قيم عدمية انحطت بالإنسان إلى مرتبة كتلة متجانسة من الأفراد المستعبدين المجردين من القوة والاستقلالية وكشفت عن وجوه اللاعقلاني فيها". من هنا تزعزع تفاؤل البشرية بفجر جديد بل زاد التعقيد وخيم شعور قاتم بضآلة الإنسان وبالطابع المأساوي لمصيره.لقد أراد مؤلف الكتاب أن يكشف عن طبيعة الفهم الجديد الذي أدخله فرويد وعن المكانة التي تشغلها دراسة الإنسان في التحليل النفسي الفرويدي. وهي مشكلة مركزية بالنسبة لعلم النفس التحليلي كما يقول المؤلف. لقد أظهر فرويد أن الأوهام التي لا يمكن للإنسان الاستغناء عنها عاجزة عن مساعدة البشر وهي جزء من العوارض السلبية للحضارة نفسها.ويعتبر المؤلف أن الثقافة الغربية "قد اجتازت عتبته الحداثة عندما كشف فرويد عن معرفة نوعية خاصة بالإنسان أي عندما أصبح الإنسان محوراً جديداً وأساسياً للتفكير". لقد حتمت أهمية الموضوع أن تكون دراسة الكتاب في ثلاثة أبواب، بحث الباب الأول في الرغبة والتأريخ الإنساني المأساوي وإشكالية العلاقة بين الفلسفة والتحليل النفسي، إضافة إلى عقده أوديب والحضارة (مأساوية التاريخ البشري).أما الباب الثاني فيدور حول الوجود الإنساني والنبي والعمليات النفسية الداخلية (المفهوم الفرويدي للإنسان) وتناول هذا الباب موضوع الأوديب ومأساة القدر، والمفهوم الفرويدي للإنسان (اللاوعي والبعد الجديد للواقع النفسي)، ودينامية النشاط النفسي ومنطق الصراعات اللاواعية (دراما الشخصية). أما الباب الثالث فقد خصص لمبحث الحضارة ومصير الإنسان في فلسفة التحليل النفسي كما تطرق لعلاقة الحضارة بالكتب، والحضارة والقلق الإنساني-الوجودي ومصير الإنسان والحضارة.