"قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد لأن أموت دفاعاً عن رأيك".لم تكن عبارة فولتير هذه محض قولة عارضة في متون مؤلفاته التي ناهزت المئة كتاب، بين شعر ومسرحية ونثر وفلسفة، بل كانت خلاصة رسالته الفكرية والحياتية التي كانت بمثابة سيف رفعه طيلة حياته في وجه "الوحش الضاري"، الذي كان يقصد به التعصب الديني ومنطق محاكم التفتيش.هذا الو...
قراءة الكل
"قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد لأن أموت دفاعاً عن رأيك".لم تكن عبارة فولتير هذه محض قولة عارضة في متون مؤلفاته التي ناهزت المئة كتاب، بين شعر ومسرحية ونثر وفلسفة، بل كانت خلاصة رسالته الفكرية والحياتية التي كانت بمثابة سيف رفعه طيلة حياته في وجه "الوحش الضاري"، الذي كان يقصد به التعصب الديني ومنطق محاكم التفتيش.هذا الوحش، الذي كان لا يزال يعمِل أنيابه في المجتمعات الأوروبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، هو نفسه الوحش الذي ينهش بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى الآن ويتهددها بالتمزق والدمار. ولم تستطع أوروبا القضاء عليه إلا بإعلاء حرية الاعتقاد وبتكريس التسامح الديني وقبول الآخر المختلف دينياّ أو طائفياً.كان الفضل في هذا لعصر التنوير، الذي صنعه مثقفون روّاد، كان من أشهرهم وأجرئهم فولتير الذي لم يتوان يوما عن خوض أي معركة مهما كانت طاحنة دفاعا عن قيم التنوير وحقوق العقل والتسامح. وهذا الكتاب هو تتويج لواحدة من كبرى معاركه. ففولتير الذي ينتمي من حيث أصله العائلي إلى الأغلبية الكاثوليكية في فرنسا يقف في هذا الكتاب مدافعا شرسا وجريئا عن أسرة بروتستانتية اضطهِدت بسبب انتمائها المذهبي ودفعت ثمناً للتعصب أباً أعدم بالدولاب وابناً سُجن وأمّاً نُفيدت.هذا الكتاب الذي نشره فولتير عام 1763 يحتفظ براهنيته كاملة، ولاسيما بالنسبة إلى عالمنا العربي والإسلامي الذي لا يزال يصارع، واليوم أكثر من أي وقت سبق، للخروج من القرون الوسطى ومنطق القرون الوسطى.