يروي فواز طرابلسي في هذا الكتاب تفصيلات مهمة حول ثورة ظفار كشاهد عايش أحداثها حيث بدأت ثورة ظفار بما هي عصيان مسلّح ضد سعيد بن تيمور ومن ورائه الاستعمار البريطاني. وقد جمعت التذمر من إهمال المنطقة، في وقت لاحت فيه إمكانية اكتشاف النفط فيها، إلى التمرد ضد عسف واضطهاد السلطان. على أن المضمرات المناطقية للثورة كانت مغلفة بلغة قوموي...
قراءة الكل
يروي فواز طرابلسي في هذا الكتاب تفصيلات مهمة حول ثورة ظفار كشاهد عايش أحداثها حيث بدأت ثورة ظفار بما هي عصيان مسلّح ضد سعيد بن تيمور ومن ورائه الاستعمار البريطاني. وقد جمعت التذمر من إهمال المنطقة، في وقت لاحت فيه إمكانية اكتشاف النفط فيها، إلى التمرد ضد عسف واضطهاد السلطان. على أن المضمرات المناطقية للثورة كانت مغلفة بلغة قوموية أضفتها عليها النخبة التي أنشأت "جبهة تحرير ظفار" من عناصر التنظيمات السياسية الناشطة بين أهالي ظفار وعُمان من طلاب أو عاملين في منطقة الخليج. وحظيت الثورة أول الأمر بدعم مصر والعراق والعربية السعودية، وكانت هذه الأخيرة مدفوعة بالدرجة الأولى بخلافاتها الحدودية مع السلطنة. على هذا العصيان المناطقي المسلحن ركب مشروع تحرري تغييري لكامل منطقة عُمان والخليج لما تسلم قيادة الثورة تيار اليسار في حركة القوميين العرب بعيد العام 1968.يستمدّ الشاهد في نصه هذا تسمية العمل المسلح في ظفار "ثورة" وذلك طالما أن طموح القائمين عليها كان التغيير الجذري للسلطة والعلاقات الاجتماعية بواسطة المشاركة الشعبية والعنف المسلح، على أن التسمية تستدعي التدقيق. إذ إن ثورة ظفار كما يقول الكاتب شكّلت تطبيقاً شبه حرفي لنظرية البؤرة الثورية كما نظّر لها ومارسها أرنستو تشي غيفارا انطلاقاً من تجربة الثورة الكوبية. ترى إلى ظفار بما هي "الأرياف" التي سوف تنتهي إلى محاصرة وتحرير "المدن" والمدن هي طبعاً إمارات ومشيخات ساحل عُمان والخليج. كذلك استلهم ثوار ظفار مقولة البؤرة الثورية بمعناها الأضيق للاعتقاد السائد بينهم أن لا حاجة لأن تنضج كل الظروف الموضوعية لاندلاع الثورة، فإن تأسيس البؤرة الثورة ذاتها ومسارها النضالي كفيلان بالتعويض عن عدم اكتمال إنضاج العوامل الموضوعية بواسطة دور الجماهير ونضالاتها.ويتابع الكاتب الشاهد قائلاً بأن التسمية الأكثر دقة التي اتخذتها مثل تلك المحاولات في حقبة ما بعد هزيمة 67 هي "الرافعة التاريخية"، أي الاعتقاد بأن جذرية الهزيمة على أعقابها بل وتؤدي إلى تحقيق النصر، ما أورث الثوار استهتاراً كبيراً بموازين القوى وخطط الخصم إلخ..؛ وهذه هي فكرة الرافعة التاريخية التي انطلاقاً منها سوف يجري استنهاض حركة التحرر العربية وتثوير المنطقة أجمعها. ارتبطت فكرة الرافعة التاريخية بالدرجة الأولى بالمقاومة الفلسطينية ولكنها انسحبت أيضاً على تجربة اليسار في جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية وعلى ثورة ظفار.ويتابع فواز طرابلسي قائلاً بأن الفترة التي كتب فيها هذه الشهادة ما بين العامين 1970-1971 كانت فترة مفصلية بالنسبة لمنطقة الجزيرة والخليج وسائر الوطن العربي تميّزت بأحداث بالغة الخطورة وبتحولات جذرية في موازين القوى والسياسات هي من آثار مضاعفات هزيمة حزيران 1967. وأبرز تلك الأحداث والتحولات التي ازدحمت كلها على نحو عجيب في عام واحد: قبول الرئيس جمال عبد الناس بمبادرة روجرز، أحداث "أيلول الأسود" الدامية في الأردن التي أدّت إلى اقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها المقاتلة من العاصمة والمدن الأردنية تمهيداً لاقتلاعها نهائياً من الأردن خلال أكثر من عام، وفاة الرئيس عبد الناصر، في غمرة معالجته للذيول المباشرة لمجابهات أيلول 1970، بدء تنفيذ الانسحاب البريطاني من الخليج، المعلن عنه منذ العام 1968، "الحركة التصحيحية" في سورية، "الحركة التصحيحية" في جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية في حزيران 1969.ويشير الشاهد بأن المفارقة الخاصة بثورة ظفار تكمن في أن عام 1970 صادف بلوغها أوج قدراتها العسكرية إذ باتت تسيطر على القسم الأكبر من الإقليم، باستثناء العاصمة صلالة وقسم من السهل الساحلي المحدق بها، وبات في إمكان الثوار، بشهادة معظم المراقبين العسكريين، إسقاط صلالة وتحرير كامل إقليم ظفار. حول هذا الموضوع دارت نقاشات حامية داخل الجبهة بين دعاة الحسم العسكري بما هو تحقيق لهدف مرحلي من أهداف الثورة وبين رافضي المرحلية ممن يرى في تحرير الإقليم عزلاً لظفار عن سائر عمان والخليج وتبديداً لزخم الثورة وقضاءاً على هدفها الاستراتيجي في تحرير كامل "الخليج العربي المحتل". يقول فواز طرابلسي بأنه كان حينها على اطلاع على تلك النقاشات، وكان ميالاً إلى خيار الحسم في ظفار لأنه يضع الثورة في موقع قوة في وجه كافة الاحتمالات. وهكذا يتابع روايته كشاهد مدفوع بدافع هو المسؤولية عن الإدلاء بشهادته عن ثورة ظفار، وقد صارت جزءاً من التاريخ. على أن هذه الشهادة تطمع أن تكون مساهمة في بناء الذاكرة الحيّة لتلك الفترة من التاريخ العربي المعاصر بطموحاتها وأحلامها وتضحياتها وإنجازاتها وأخطائها وإخفاقاتها.ومن جهة أخرى، يقول الشاهد بأنه لا معنى للشهادة عن الماضي إن هي لم تدّع، ولو مجرد ادّعاء، أنها تريد قول شيء ما عن ذلك الماضي قد يفيد الحاضر وربما المستقبل. وهذا يعادل المراجعة النقدية للتجربة.