لقد حاولت قدر الطاقة أن أستقصي في كتابي هذا خلاصة مستوفاة لحياة "برنارد رايس" الغنية في أحداثها، ولفنّه المتفرد في منهجه، ولشخصيته الثرية بإمكاناتها ومواهبها، المتجاوزة للجاهز من قوالب الفكر الجامدة. وقد طوّفت بقارئي الكريم في موضوعات اعتقدت أنها كفيلة برسم صورة أمينة للرجل، وتمنيت أن تفيه تلك الصورة حقه من الاعتراف بروعة شخصي...
قراءة الكل
لقد حاولت قدر الطاقة أن أستقصي في كتابي هذا خلاصة مستوفاة لحياة "برنارد رايس" الغنية في أحداثها، ولفنّه المتفرد في منهجه، ولشخصيته الثرية بإمكاناتها ومواهبها، المتجاوزة للجاهز من قوالب الفكر الجامدة. وقد طوّفت بقارئي الكريم في موضوعات اعتقدت أنها كفيلة برسم صورة أمينة للرجل، وتمنيت أن تفيه تلك الصورة حقه من الاعتراف بروعة شخصيته، وبفرادة مواهبه الفنية والذهنية، وبدوره الجليل الذي أسداه لمصر، حين أسس لها قسماً أكاديمياً في أول مدرسة تقام على أرضها لتدريس الفنون، ليُدشّن من خلال هذا القسم أساس فنّ وليد، ظل يزدهر ويمد في أغصانه حتى استوى شجرة باسقة ظليلة، جنينا قطافها من نتاجات فنانينا الذين تسلموا من أستاذهم شعلة الريادة، لتُستَكمَل بجهودهم أركان (فن الجرافيك المصري).
وأحسب أن قارئ هذا الكتاب سيستشعر – ضمن ما قد تجيش به نفسه خلال القراءة – فداحة الظلم الذي وقع على هذا الرجل العظيم، وعِظَم القصور الذي طال حركة التوثيق لتاريخ الفن المصري الحديث، حين أسقطت من حساباتها "برنارد رايس"، وتغافلت عن دوره التاريخي الذي أداه على أرض مصر، ويا له من دور يحار المرء في تحديد سر عظمته؛ أيكون لما بذله في تعليم وتنشئة روادنا من الجرافيكيين الأوائل، وتلقينهم أسرار الطبعة الفنية وأصول فنها؟ أم تراه ماثلاً في ما بذله من جهد وخبرة في سبيل إعادة أحد أهم كنوزنا الفرعونية العظيمة لرونقه القديم؟ وإن كان هذا شأن "رايس" الفنان، فما بالنا بما أداه "رايس" السياسي من جهود في حلبة الصراع، من أجل تحقيق التوازن الثقافي بين ممثلي الأطراف المتناحرة على أرض مصر خلال الحرب العالمية الثانية؟
الظن الغالب عندي أن قارئ هذا الكتاب – سواء كانت ملامح شخصية "رايس" من النوع الذي يروق له أو العكس، وسواء لمست أعمال "رايس" في نفسه وتر الاهتزاز للجمال أم لم تلمس – لن يملك إلا أن يستشعر غصة الأسف لهذا الرجل الكبير الذي أُهدِرت سيرته عقوداً، ليظل مجهولاً ولتظل سيرته وأعماله في طوايا النسيان، حتى بين أبنائه من خريجي القسم الذي لولاه ما تأسس.
وللقارئ الكريم أقول: إن هذه الغصة التي تستشعرها هي بعينها التي ظلت تعتمل في نفسي سنين عدداً، لتتحول إلى دافعٍ عارمٍ لإصدار هذا الكتاب، الذي أتمنى أن يكون قد حقق ما أمّلته فيه، فأزاح الستار عن الصورة الناصعة التي طالما حجبتها أستار التغافل والنسيان، ليتيح لنا أن نتفرس سوياً في الملامح القسيمة لـ"برنارد رايس"... الأب المجهول للجرافيك المصري.