إن عنوان هذا الكتاب: "في أجزاء الحيوان" لا يدل على موضوعه تماماً؛ لأنه ليس بحثاً في تشريح الحيوان، بل في الأسباب التي حدّدت تركيب الحيوان وفقاً لغاية ومعلومة. ولذا يدرس هذا التركيب من حيث قد هيأته الطبيعة لتأدية الوظيفة المنوط بها. ذلك أن أرسطو، مؤلف هذا الكتاب، كان يؤمن بمبدأين أساسين، هما: 1-أن الطبيعة لا تصنع شيئاً عبثاً، بل ...
قراءة الكل
إن عنوان هذا الكتاب: "في أجزاء الحيوان" لا يدل على موضوعه تماماً؛ لأنه ليس بحثاً في تشريح الحيوان، بل في الأسباب التي حدّدت تركيب الحيوان وفقاً لغاية ومعلومة. ولذا يدرس هذا التركيب من حيث قد هيأته الطبيعة لتأدية الوظيفة المنوط بها. ذلك أن أرسطو، مؤلف هذا الكتاب، كان يؤمن بمبدأين أساسين، هما: 1-أن الطبيعة لا تصنع شيئاً عبثاً، بل دائماً تفعل من أجل الغاية، 2-وأن الوظيفة تخلق العضو، لا العكس، لذا راح أرسطو في كتابه هذا يستقرئ تراكيب أنواع الحيوان المختلفة كما يبين أن هيئات هذه التراكيب قد صنعتها الطبيعة وفقاً للغاية المقصودة منها، ومن أجل تحقيق الوظيفة الموكلة إليها، لأن الطبيعة، في نظر أرسطو، واسعة الحيلة. وللطبيعة قصد، فهي تريد وتنظر إلى الغاية التي تريد بلوغها. بيد أن الطبيعة بالنسبة له مبدأ باطن في الموجودات الطبيعية، يفعل في كل واحد منها، وهو الأصل في النماء، وهي لا تروّي، لأن الروّية علامة نقص في الغائية. والغائية في الطبيعة غائية باطنة، بمعنى أن كل فردن أو على الأقل كل نوع، يوجد لذاته، وأن كل أجزائه تتضافر لصالح المجموع، وقد نظمت تنظيماً عقلياً من أجل هذه الغابة دون نظر إلى سائر الكائنات أو الأنواع. وتحت كلمة "أجزاء" يفهم أرسطو أكثر مما نفهم نحن الآن، فهو لا يقصد منها فقط الأعضاء المميزة في الجسم من أطراف وأعضاء، بل يشمل تحتها المواد التي يتألف منها الجسم مثل الدم والنخاع والشحم والمصل والمرارة واللبن، الخ، وفي كتابه هذا يقسم الأجزاء إلى قسمين: 1-أجزاء متشابهة، 2-أجزاء لا متشابهة. 1-ومثال الأجزاء المتشابهة في الجسم الحيواني: الدم والمصل، والشحم، والعرق، والنخاع، والمني، والمرارة، واللبن واللحم، وهذه لينة ورطبة، وكذلك العظم، وشوك السمك والوتر وعِرق الدم، وهذه جاسبة صلبة. 2-ومثال الأجزاء غير المتشابهة: الوجه، اليد، القدم. ويبين العلاقة بين كلا القسمين هكذا:
أ-بعض الأجزاء المتشابهة هي المادة التي يصنع منها الأجزاء اللامتشابهة (فمثلاً كل جزء آلي، أي عضوي، هو مؤلف من عظام وأوتار ولحم، الخ)، ب-وبعضها هي منفصلة لما ورد في (ب) مثل: البراز والبول.
فمن أين جاء إذن هذا العنوان في "أجزاء الحيوان" 1-جاء من أرسطو نفسه أولاً؛ إذ أنه يشير في كتابه "في الشباب" بهذا العنوان، 2-ونراه مذكوراً بهذا العنوان في ثبت مؤلفات أرسطو الذي وضعه هسوخيوس، تحت رقم 157.3-كذلك ورد في ثبت مؤلفات أرسطو المنسوب إلى بطليموس الغريب (بطليموس خنوس)، والذي حفظه لنا القفطي هكذا. (زوايقون موربون 4 مقالات)، وعنه نقل ابن أبي أصبيعة هكذا: "كتاب في الأعضاء التي بها الحياة، أربع مقالات". 4-ومن قدماء المؤلفين نجد رونس الأفسوس يذكرن وهو يتكلم عن فص الأذن، ثم جالينوس في كتابه في "منافع أعضاء الجسم". ويعتبر كتاب أرسطو هذا مرجعاً فلسفياً هاماً، وزاد في أهميته ما زاد عليه الدكتور عبد الرحمن البدوي من خلال عملية التحقيق، ومن خلال شرحه، الفلسفي الثري ومن خلال تقديمه الوافي لهذا الكتاب.