طائر الحب القديم

جاء هذا الكتاب في وقته كاستراحة لطيفة في غمرة انغماسي في قراءة كتاب العلمانية المنهِك لدكتور عبد الوهاب المسيري (لم أكمل قراءته بعد)، وبعد انتهائي من كتاب أساتذة اليأس الذي يُناقش أعمال رواد العدمية في أوروبا. وما أدراكم بكتاب العدمية وكِتاباتهم المقبضة التي تتنَكَّر للحياة، والأطفال، ودفء العلاقات الإنسانية، والحق أن كتاباتهم تبدو منطقية تماماً في ضوء النظارة السوداء شديدة الإعتام التي يرون الدنيا من خلالها، فإذا كنت تعتقد أن مولوداً ميتاً هو أسعد منك حظاً وأن العالم بكل ما فيه ما هو إلا عبث؛ ستكون النتيجة المؤكدة هي: "أن السعادة هي ألا تولد" كما ادّعى شوبنهاور الأب الروحي للعدمية .. لذا فضلت أن يكون كتاب الاستراحة هذه المرة ذا بعد إنساني، مضمون التأثير، قادراً على جعلي أفصل قليلاً من أثر الكتب الجادة والمتعبة، وهكذا جاءت كلمات د. عبد الوهاب مطاوع وهموم قرائه لتنتزعني من كل هذا. يستعرض الكتاب 25 رسالة والرد عليها، فمن رجل خمسيني يطلب العون وقد شاهد 122 فتاة لم تعجبه أي منهن في رحلة بحثه عن عروس "مناسبة"، إلى إخوة يطلبون الصفح من أختهم الكبرى بعد جحودهم، إلى رجل كتب ليبشرنا بموافقة والده على زواجه من فتاته يوم عقد القران بعد ثلاث سنوات مضنية من محاولات الإقناع، إلى زوجة تشتكي من كذب زوجها بينما تربت في عائلة سوية لم تتعود على المداراة، وآخر يشتكي من زوجته الذي اكتشف طباعها السيئة بعد الزواج وعرف سر استعجال والدتها عقد القران لتتخلص من ابنتها قبل أن يكتشف سوء طباعها، وغير ذلك الكثير والكثير .. بينما أنت تقرأ وعقب انتهاء كل رسالة ورد، ستجد نفسك في بعض أحيان وكأنك ترى مشكلتك أنت، وربما تذكرت أحداث مشابهة مرت بك أو بأحد تعرفه، ربما شهدت لحظة تنوير لمشاعر انتابتك في وقت ما ولم تعرف كنهها وقتئذ، وحتماً ستتعرض للنفس البشرية بكل ما فيها من سمو وما قد يعتريها من انحطاط، المهم أنك ستعيش حيوات عديدة عند قراءتك لكتابات الأستاذ، لذا فهي من الكتابات القليلة المضمونة التي أركن إليها من وقت لآخر ولا تخذلني أبداً.